وحاصله لما دخلوا متفرقين ما كان ذلك الدخول يغنى عنهم من الله من جهته سبحانه من شيء أي شيئا مما قضاه عليهم جل شأنه والجملة قيل : جواب لما والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقق المقارنة الواجبة بين جواب لما ومدخولها فان عدم الاغناء بالفعل انما يتحقق عند نزول المحذور لا وقت الدخول وانما المتحقق حينئذ ماأفاده الجمع المذكور من عدم كون الدخول مغنيا فيما سيأتي وليس المراد بيان سببية الدخول لعدم الاغناء كما في قوله تعالى : فلما جاءهم نذير مازادهم الا نفورا فان مجيء النذير هناك سبب لزيادة نفورهم بل بيان عدم سببيته للاغناء مع كونها متوقعة في بادئ الرأي حيث أنه وقع حسبما وصاهم به عليه السلام وهو نظير قولك : حلف أن يعطي حقي عند حلول الأجل فلما حل لم يعطني شيئا فان المراد بيان عدم سببية حلول الأجل للأعطاء مع كونها مرجوة بموجب الحلف لا بيان سببيته لعدم الاعطاء فالمال بيان عدم ترتب الغرض المقصود على التدبير المعهود مع كونه مرجو الوجود لا بيان ترتب عدمه عليه ويجوز أن يراد ذلك أيضا بناء على ما ذكره عليه السلام في تضاعيف وصيته من أنه لايغني عنهم تدبيره من الله تعالى شيئا فكأنه قيل : ولما فعلوا ما وصاهم به لم يفدهم ذلك شيئا ووقع الأمر حسبما قال عليه السلام فلقوا ما لقوا فيكون من باب وقوع المتوقع اه والى كون الجواب ماذكر ذهب أبو حيان وقال : إن فيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا ظرف زمان بمعنى حين إذ لو كان كذلك ما جاز أن يكون معمولا لما بعد ما النافية ولعل من يذهب إلى ظرفيتها أحدهما أنه آوى وهو جواب لما الأولى والثانية كقولك : لما جئتك وكلمتك أجبتني وحسن ذلك أن دخولهم على يوسف عليه السلام تعقب دخولهم من الأبواب والثاني أنه محذوف أي امتثلوا أو قضوا حاجة أبيهم وإلى الوجه الأخير ذهب ابن عطية أيضا ولا يخفى أنه عليه وعلى ماقبله ترتفع غائلة توجيه أمر الترتب وما أشار اليه صاحب القيل في ثاني وجهيه هو الذي يقتضيه ظاهر كلام كثير من المفسرين حيث ذكروا أن هذا منه تعالى تصديق لما أشار اليه يعقوب عليه السلام في قوله : ولا أغنى عنكم من الله شيئا .
واعترض القول بعدم ترتب الغرض على التدبير بأن الغرض ليس الا دفع اصابة العين لهم وقد تحقق بدخولهم متفرقين وهو وارد أيضا على ماذكر في الوجه الأخير كما لايخفى وأجيب بأن المراد بدفع العين أن لايمسهم سوء ما وإنما خصت إصابة العين لظهورها وقيل : إن ماأصابهم من العين أيضا فلم يترتب الغرض على التدبير بل تخلف ماأراده عليه السلام عن تدبيره وتعقب بأنه تكلف واستظهر أن المراد أنه عليه السلام خشى عليهم شر العين فأصابهم شر أخر لم يخطر بباله فلم يفد دفع ما خافه شيئا وحينئذ يدعى أن دخولهم من حيث أمرهم أبوهم كان مفيدا لهم من حيث أنه دفع العين عنهم إلا أنه لما أصابهم ماأصابهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك مع أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم لم يعد ذلك فائدة فكأن دخولهم لم يفدهم شيئا واعترض أيضا ماذكر في توجيه الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل بأن المشهور أن الغرض منه افادة الاستمرار كما مرت الاشارة اليه غير مرة وظاهر ذلك لايدل عليه قيل : وإذا كان الغرض هنا ذاك احتمل الكلام وجهين نفي استمرار الاغناء واستمرار نفيه وفيه