تأمل فتأمل جدا هذا وما أشرنا اليه من زيادة من في المنصوب هو أحد وجهين ذكرهما الرازي في الآية ثانيهما جواز كونها زائدة في المرفوع وحينئذ ليس في الكلام ضمير الدخول كما لايخفى قيل : ولو اعتبر على هذا الوجه كون مرفوع كان ضمير الشأن لم يبعد أي ما كان الشأن يغني عنهم من الله تعالى شيء إلا حاجة استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفس يعقوب قضاها أي أظهرها ووصاهم بها دفعا للخطرة غير معتقد أن للتدبير تأثيرا في تغير التقدير والمراد بالحاجة شفقته عليه السلام وحرازته من أن يعانوا .
وذكر الراغب أن الحاجة إلى الشيء الفقر اليه مع محبته وجمعه حاج وحاجات وحوائج وحاج يحوج احتاج ثم ذكر الآية وأنكر بعضهم مجيء الحوائج جميعا لها وهو محجوج بوروده في الفصيح وفي التصريح باسمه عليه السلام إشعار بالتعطف والشفقة والترحم لأنه عليه السلام قد اشتهر بالحزن والرقة وجوز أن يكون ضمير قضاها للدخول على معنى أن ذلك الدخول قضى حاجة في نفس يعقوب عليه السلام وهي إرادته أن يكون دخولهم من أبواب متفرقة فالمعنى ما كان ذلك الدخول يغني عنهم من جهة الله تعالى شيئا لكن قضى حاجة حاصلة في نفس يعقوب لوقوعه حسب ارادته والاستثناء منقطع أيضا وجملة قضاها صفة حاجة وجوز أن يكون خبر إلا لأنها بمعنى لكن وهي يكون لها اسم وخبر فاذا أولت بها فقد يقدر خبرها وقد يصرح به كما نقله القطب وغيره عن ابن الحاجب وفيه أن عمل إلا بمعنى لكن عملها مما لم يقل به أحد من أهل العربية وجوز الطيبى كون الاستثناء متصلا على أنه من باب .
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم .
فالمعنى ما أغنى عنهم ما وصاهم به أبوهم شيئا إلا شفقته التي في نفسه ومن الضرورة أن شفقة الأب مع قدر الله تعالى كالهباء فاذن ما أغنى عنهم شيئا أصلا وإنه لذو علم جليل لما علمناه أي لتعليمنا إياه بالوحي ونصب الأدلة حيث لم يعتقد أن الحذر يدفع القدر حتى يتبين الخلل في رأيه عند تخلف الأثر أو حيث بت القول بأنه لايغني عنهم من الله تعالى شيئا فكانت الحال كما قال فاللام للتعليل و ما مصدرية والضمير المنصوب ليعقوب عليه السلام وجوز كون ما موصولا اسميا والضمير لها واللام صلة علم والمراد به الحفظ أي إنه لذو حفظ ومراقبة للذي علمناه إياه وقيل : المعنى إنه لذو علم لفوائد الذي علمناه وحسن اثارة وهو إشارة إلى كونه عليه السلام عاملا بما علمه وما أشير اليه أولا هو الأولى ويؤيد التعليل قراءة الأعمش مما علمناه وفي تأكيد الجملة بان واللام وتنكير علم وتعليله بالتعليم المسند إلى ضمير العظمة من الدلالة على جلالة شأن يعقوب عليه السلام وعلو مرتبة علمه وفخامته ما لايخفى ولكن أكثر الناس لايعلمون .
86 .
- سر القدر ويزعمون أنه يغني عنه الحذر وقيل : المراد لايعلمون إيجاب الحذر مع أنه لاينبغي شيئا من القدر وتعقب بأنه يأباه مقام بيان تخلف المطلوب عن المبادى .
وقيل : المراد لايعلمون أن يعقوب عليه السلام بهذه المثابة من العلم ويراد بأكثر الناس حينئذ المشركون فانهم لايعلمون أن الله تعالى كيف أرشد أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة وفيه أنه بمعزل عما نحن فيه