في بيان المعنى أي ولكن ما شاء الله تعالى من ذلك كائن مشيرا بذلك إلى النفع والضر فإنه صريح في كون المستثنى من جنس المستثنى منهالمقتضى للإتصال لأن المدار عند المحققين في الأمرين على الإخراج من الحكم وعدمه .
ومما يقضي منه العجب زعم أن الإستثناء من فاعل لا أملك وجعل المعنىلا أملك أنا ولكن الله سبحانه هو المالك لكل ما يشاء يفعله بمشيئته لكل أمة من الأمم الذين أصروا على تكديب رسلهم أجل لعذابهم يحل بهم عند حلوله لا يتعدى إلى أمة أخرى إذا جاء أجلهم أي أجل كل أمة على ما هو الظاهر ووضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التقرير والإضافة لإفادة كمال التعيين وجوز أن يكون الضمير للأمم المدلول عليه بكل أمة ووجه إظهار الأجل مضافا لذلك بأنه لإفادة المعنىالمقصود هو بلوغ كل أمة أجلها الخاص بها ومجيئه إياها بعينها من بينالأمم بواسطة إكتساب الأجل بإضافته عموما يفيده معنى الجمعية كأنه قيل : إذا جاءتهم آجالهم بالجمع كما قرأ به ابن سيرين بأن يجيء كل واحد من تلك الأمم أجلها الخاص بها ويفسر الأجل بحد معين منالزمان والمجيء عليه ظاهر وبما إمتد إليه من ذلك فمجيئه حينئذ عبارة عن إنقضائه إذ هناك يتحقق مجيئه بتمامه أي إذا تم وإنقضى أجلهم الخاص بهم فلا يستأخرون عنه ساعة أي شيئا قليلا من الزمان ولا يستقدمون 49 عليه والإستفعال عند جمع على أصله ونفى طلب التأخر ولتقدم أبلغ وقال آخرون : إنه بمعنى التفعل أي لا يتأخرون ولا يتقدمون والجملة الثانية إما مستأنفة أو معطوفة على القيد والمقيد ومنعوا عطفها على لا يستأخرون لئلا يرد أنه لا يتصور التقدم بعد مجيءالأجل فلا فائدة في نفيه وأجازه غير واحد والفائدة عنده في ذلك المبالغة في إنتفاء التأخر لأنه لما نظم في سلكه أشعر بأنه بلغ في الإستحالة إلى مرتبته فهو مستحيل مثله للتقدير الإلهي وإن أمكن في نفسه قيل : وهذا هو السر في إيراد صيغة الإستفعال أي أنه بلغ في الإستحالة إلى أنه لا يطلب إذ المحال لا يطلب ودفع بعضهم ذلك بأن جاء بمعنى قارب المجيء نحو قولك : إذا جاء الشتاء فتأهب له وتعقب بأنه ليس في تقييد عدم الإستئخار بالقرب والدنو مزيد فائدة وأشار الزمخشري إلى جواب آخر وهو أن لا يتأخر ولا يتقدم كناية عن كونه له حد معين وأجل مضروب لا يتعداه بقطع النظر عن التقدم والتأخر كقول الحماسي : وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متقدم عنه ولا متأخر فإنه أراد كما قال المرزوقي حبسني الهوى في موضع تستقرين فيه فألزمهولا أفارقه وأنا معك مقيمة وظاعنة لا أعدل عنك ولا أميل إلى سواك ووجه تقديم بيان إنتفاء الإستئخار على بيان إنتفاء الإستقدام قد تقدم في آية الأعراف مع بسط كلام فيها ثم لا يخفى أن هذه الآية داخلة في حيز الجواب ولم تعطف على ما قبلها إيذانا بإستقلالها فيه قال العلامةالطيبي طيب الله تعالى ثراه : إن الجواب بقوله سبحانه : قل لا أملك إلخ وارد علىالأسلوب الحكيم لأنهم ما أرادوا بالسؤال إلا إستعباد أن الموعود من الله تعالى وأنه صلوات الله تعالى وسلامه عليه وهو الذي يدعي أن ذلك منه فطلبوا منه تعيين الوقت تهكما وسخرية فقيل في الجواب هذا التهكم إنما يتم إذا إدعيت بأني أنا الجالب لذلك الموعود : إذا كنت مقرأ بأني مثلكم في أني لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا كيف أدعى ماليس لي بحق ثم شرع في الجواب الصحيح ولم يلتفت صلى الله تعالى عليه وسلم إلى تهكمهم واستعبادهم فقال : لكل أمة أجل إلخ وحاصله على ما في الكشاف إن عذابكم له أجل مضروب