عند الله تعالى وحد محدود من الزمان إذا جاء ذلك الوقت أنجز وعدكم لامحالة فلا تستعجلوا ومن هنا يعلم سر إسقاط الفاء من إذا جاء أجلهم وزيادتها في أفلا يستأخرون على عكس آية الأعراف حيث أتي بها أولا ولم يؤت بها ثانيا وذلك أنه لما سيقت الآية جوابا عن إستعجالهم العذاب الموعود حسبما علمت آنفا إعتنى بأمر الشرطية ولزومها كمال الإعتناء فأتي بها غير متفرعة على شيء كأنها من الأمور الثابتة في نفسها الغير المتفرعة على غيرها وقوى لزوم التالي فيها للمقدم بزيادة الفاء التي بها يؤتى للربط في أمثال ذلك ولا كذلك آية الأعراف كما لايخفى إلا على الأنعام فإحفظه فإنه من الأنفال و لا يأبه مامر في تقرير الإستفهام صدر الكلام كما هو ظاهر لدى ذوي الأفهام وكذا لا يأباه ما قيل في ربط هذهالآية بما قبلها من أنها بيان لما أبهم في الإستثناء وتقييد لما فيالقضاء السابق من الإطلاق المشعر بكون المقضي به أمرا منجزا غير متوقف على شيء غير مجيء الرسول وتكذيب الأمة لأنه على ما فيه إنكار المدخليةفي الجواب ولعل الغرض يتم بمجرد ذلك لحصول التغاير بين مساقي الأيتين به أيضا وقد يقال : إن إسقاط الفاء أولا لتكون الجملة في موضع الصفة لأجل تهويلا لأمره وتنويها بشأنه حسبما يقتضيه المقام أي لكل الأمة أجل موصوف بأنه إذا جاء لا يستأخرون عنه ولا يستقدم ونعليه البتة و والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير مثل ما مر آنفا وليس بذاك ومما تضحك منه الموتى ما قاله بعض العظاميين بعد أن كاد يقضي عليه فكرا من أن السر في إختلاف الآيتين الإشارة منه تعالى إلى جواز الأمرين عربية ولم يعلم عافاه الله تعالى أن القرآن الكريم لم ينزل معلما للعربية مبينا لقواعدها وشارحا لما يجوز فيها وما لايجوز بل نزل معجزا بفصاحته وبلاغتهو ماتضمنه من الأسرار أقواما كل منهم في ذلك الشأن الجذيل المحكك والعذيق المرجب .
وذكر بعض من أحيا ميت الفضل علمه وصفا عن تخليط أبناء العصر فهمه صفاء الدين عيسى البندنيجي أن مساق هذه الآية لتثبيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وشرح صدره E عما عسى يضيق به بحسب البشرية من قولهم : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ولتلقينه صلى الله تعالى عليه وسلم رد قولهم ذلك كما يشعر به السباق فناسب قطع كل من الجملتين عن الأخرى ليستقل كل منهمافي إفادة التثبيت والرد للتأكيد والمبالغة فيها ولذا لم يؤت بالفاء في صدر الشرطية وجيء بها في الجواب زيادة في ذلك لإفادتها تحقق ما بعدها عقيب ما يقتضيه بلا مهلة وآية الأعراف سيقت وعيدا لأهل مكة ومن البين أن محط الفائدة فيإشعار أنه وعيد وأن ما هو أدخل في التخويف الجملة الشرطية لأنها النص في نزول العذاب عند حلول الأجل وأنه لا محيص لهم عن ذلك عنده دون لكل أمة أجل فقط فكان المقام مقام ربط ووصل فجيء بالفاء لتدل على ذلك وتؤذن بإتحاد الجملتين في كونهما وعيدا ولمسامحته سبحانه فيالوعيد لم يؤت بالفاء في الجواب إنتهى ولعل ما قدمناه ليس بالبعيد عنه من وجه وإن خالفه من وجه آخر ولكل وجهة والله تعالى أعلم بأسرار كتابه .
قل لهم بعد ما بينت لهم كيفية حالك وجريان سنة الله تعالى فيما بين الأمم على الإطلاق ونبهتهم على أن عذابهم أمر مقرر محتوم لا يتوقف إلا على مجيء أجله المعلوم إيذانا بكمال دنوه وتنزيلاله منزلة إتيانه حقيقة أرأيتم ان أتاكم عذابه الذي تستعجلون بهولعل إستعمال إن من باب المجاراة بياتا أي وقت بيات أو نهارا أي عند إشتغالكم بمشاغلكم وإنما لم يقل ليلا ونهارا ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم والغفلة والبيات متكفل بذلك لأنهالوقت الذي يبيت فيه العدو ويوقع فيه ويغتنم فرصة