فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة
فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة
(1316 هـ ـ 1394 هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
هو الشيخ محمد بن احمد أبو زهرة اكبر علماء الشريعة الإسلاميّة في عصره مولده بمدينة المحلة الكبرى وتربى بالجامع الاحمدي بمدينة المحلة الكبرى وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي وتولى تدريس العلوم الشرعية والعربية وعلم في المدارس الثانوية وبدأ اتجاهه إلى البحث العلمي في كلية أصول الدين وعين أستاذا محاضرا للدراسات العليا في الجامعة وعضوا للمجلس الأعلى للبحوث العلمية وكان وكيلا لكلية الحقوق بجامعة القاهرة ووكيلا لمعهد الدراسات الإسلاميّة واصدر اكثر من أربعين كتابا منها المطبوعات: الخطابة، وتاريخ الجدل في الإسلام، وأصول الفقه والملكية، ونظرية العقد في الشريعة وغيرها وكانت وفاته بالقاهرة (1).
___________________________
1ـ أعلام الزركلي 6: 25.
له في مجال التقريب:
لقد ضرب لنا محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ مثلا في إصلاح المجتمع الصغير بالتعاون والإخاء فقد جاء إلى يثرب وكانت مدينة متنابذة متنازعة، مع انها في مجموعها لا تزيد في سكانها عن قرية كبيرة من قرى مصر كانت ثلاث طوائف (الاوس والخزرج واليهود) كان الاوس في نزاع مع الخزرج وكان كلاهما في نفرة مع اليهود الذين يجاورونهم وجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى هذا المجتمع المتنافر بعنصر رابع وهو المهاجرون الذين هاجروا معه، فكان لابد من عمل لهذا المجتمع الصغير الذي سيكون نواة لحضارة فاضلة تعلن أهل الأرض أن في الإمكان أن توجد مدينة فاضلة تحكم بالفضيلة، وتحارب بالفضيلة وتعاهد بالفضيلة، وتمكث في الأرض تحكم بأمر الله ونهيه، وأن ابن الأرض لا يعجز عن أن ينفذ أحكام السماء جملة وتفصيلا إن كان معه إرادة تقية فاضلة، وان الدولة الفاضلة ليست حلما من الأحلام، ولكنها حقيقة الحقائق يستطيعها ابن آدم، واعتزم مخلصا أن يوجدها.
ابتدأ محمداً ـ صلى الله عليه وآله ـ في إصلاح هذا المجتمع الصغير بالإخاء والتعاون، فآخى بين كل واحد من الاوس وكل واحد من الخزرج وآخى بين المهاجرين وكانوا في بطون مختلفة، وآخى بين المهاجرين والاوس والخزرج وهم الذين أطلق عليهم القرآن اسم الأنصار في مقابل كلمة المهاجرين، وبذلك ترابطت الجماعة كلها بمواثيق الإخاء والتعاون وكان الأخ بحكم هذه العلاقة التي ربطها محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ يحل له في مجال أخيه ما يستحله الأخ من النسب وبمقتضى هذا الإخاء والإدماج زال ما كان بين الاوس والخزرج من نفرة، وزال بين القرشيين من تفاخر بالأنساب، واعتزاز بما كان عليه الأباء.
وكان ذلك التآخي قويا بحكم الإسلام، حتّى انه يجرى بسببه التوارث بين المتآخين، فتآلفت به القلوب، واجتمعت على الحق نفوس كانت متنافرة بالباطل وفي الباطل، وكان هذا اعظم نعمة انعم الله بها على أهل يثرب التي صارت من بعد المدينة الفاضلة، ولقد قال سبحانه وتعالى في هذه النعمة التي انعم بها عليهم: ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها﴾.
(لاشك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا مثل السبئية الذين الهوا عليا ونحو (من المعروف أن السبئية كفار في نظر الشيعة) ولاشك انها في كل ما تقول متعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (1).
لقد آن لنا أن نجتمع لان الإسلام يدعو إلى هذا التجمع، ولاننا إن لم نجتمع بشعار الإسلام وحده، وذهب كل إقليم إلى تجمع لا يحمل شعار الإسلام تقع الحروب بين المسلمين، ويقاتل المسلمون إخوانهم من المسلمين تحت ظل لواء غير لواء الإسلام، ولم يكن ذلك أمرا يتوقع فقط، ولكنه أمر ثابت قد وقع، ففي الحرب العالمية الأولى قاتل كثيرون من المسلمين جنود الأتراك المسلمين، ولم يكونوا في ظل إسلامي إذ يقاتلون، بل كانوا يقاتلون في ظل أعداء الإسلام، والله يقول: ﴿إنّما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾.
(لابد أن يجتمع المسلمون ولا يختلفوا، وان تكون منهم أمة واحدة، كما قال تعالى: ﴿وان هذه أمتكم أمة واحدة﴾ ولا نقصد بان نكون أمة واحدة أن تحكمنا حكومة واحدة، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق، ولكن يمكن أن يتحقق منا تجمع واحد، أو جامعة إسلامية واحدة، على ما سنشير إلى ذلك في موضعه)
(إن الأُمة الإسلاميّة تقوم الروابط فيها على وحدة الدين والعقيدة، ووحدة المباديء الخلقية، والعبادات، وكل يوم يشعر المؤمن بالوحدة الإسلاميّة) (2).
______________________________
1 ـ تاريخ المذاهب الإسلاميّة: 39.
2 ـ المصدر السابق: 64 ـ 65.
رسالة الإسلام 7: 365، و 8: 29، 129، 345، 357، و9: 31، 129،241، 355، و10: 28، 138، 242، 352، و11: 23،125، 240 ،360.