الشيخ محمد البهيّ

الشيخ محمد البهيّ

 

الشيخ محمد البهيّ
1306 هـ ـ 1392 هـ

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ولد الدكتور محمد بهي الدين بركات باشا ابن محمد فتح الله بن عبد الله في القاهرة وتعلم بها وبباريس، وكان مدرسا بمدرسة الحقوق وانتقل إلى السلك السياسي وعين وزيرا للمعارف وانتخب رئيسا لمجلس النواب وعين من أعضاء مجلس الوصاية وكان من البارزين في الوفد المصري أيام سعد زغلول والملك فاروق.
وصنف «صفحات من التاريخ» ومذكراته (1).
له في مجال التقريب بحوث كثيرة اقتطفنا منها:
إن الجماعة في الإسلام، هي في واقع أمرها ذات صلة بعضها ببعض وقوة الجماعة في قوة وحداتها وأفرادها «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف».
حلت العصبيات الشعوبية محل الرباط الإسلامي العام، وبرزت الحدود والفواصل وخلقت خلقا في الوطن الإسلامي، دون أن تعتمد اعتمادا دقيقا على المكان الجغرافي، أو خصائص الجنس، وإنّما تعتمد أولا وبالذات على الحدود «المفترضة» التي وضعها المستعمر وقواها حتّى يحول بذلك دون الترابط النفسي بين الشعوب الإسلاميّة في الآمال والكفاح، قبل أن يحول دو الاختلاط المكاني أو الزماني(2).
«لولا التعدد في الإنسان لما كان له كفاح، ولكن فرض عليه الكفاح فكفاحه من اجل الوحدة، فالتعدد فيه إذن أساس الوحدة، ولولا اعتبار انه ذو شر وذو خير معا لما كان له كفاح أيضاً، وحيث وجب عليه الكفاح فكفاحه للخير، فالشر كذلك إذن أساس الخير.
والقدامى يشتركون في نظرتهم الازدواجية للإنسان على هذا النحو، والأسرة قائمة على الازدواج أيضاً، أساسها ذكر وأنثى وهدفها إضعاف ما في اصل تكوينها من ازدواج أو تعدد عن طريق التقارب النفسي بين الاثنين أو عن طريق ما يسمى بالانسجام بينهما، هدفها أضعاف الفوارق الفردية بين الطرفين إضعافا يقترب بينهما من أن يكون نفسها واحدة وذاتا واحدة.
_______________________
1 ـ أعلام الزركلي 6: 61.
2 ـ مجلة الأديب، له بحوث في مجلة رسالة الإسلام 3: 47، 173، 281، 396 و 4: 38، 420 و 5: 175، و 6: 167، 273، 412، 7، 56، 311، 406، و 8: 63، و 9: 47، 162، 295، 393، و 10: 393، و 11: 285، 12: 176.

فالتعدد في الأسرة يهدف إلى الوحدة إذن أو هو أساسها كما يصح بالتالي أن يكون أساس السعادة أو الخير وان كان في طبيعته يحمل معنى الشقاء أو الشر.
والقوم جماعة إنسانية متعددة الأفراد كذلك. وهدف كل قوم تماسك أفراده أو صيرورة عدده الكثير إلى وحدة منسجمة، هدف أي قوم أن يكون قويا بحكم ما يمليه عليه حفظ بقائه بين الأقوام الأخرى، وقوته في تضامنه بحيث إذا اشتكى أحد أفراده تداعى له جميع الأفراد بالحمى والسهر، ومنتهى قوته في وحدته وفي وحدته اطمئنانه، إذن لما يقع عليه من أحداث خارجية إذ يستطيع عندئذ ردها ، في وحدته الخير كله له، وفي بقائه متفرق الأفراد متفرق الكلمة والتوجيه عدم اطمئنانه واستقراره، وليس عدم الاطمئنان لأي قوم على كيانه، كقوم أو جماعة إلاّ ما يوصف باسم الشر في الجماعة.
فطبيعة تعداد الأفراد أي قوم توحي بالسعي إلى الوحدة بينهم، وفي الوحدة يرى كل قوم مضى الخير له كما يرى الشر في بقائه منثورا غير موحد على أمل وغاية، وإذن التعدد في القوم أساس الوحدة والشر فيه أساس الخير، والعالم وهو متعدد كبير يسعى للوحدة، لان أي كائن فيه يسعى إلى الوحدة بحكم ما فيه من ازدواج واثنينية أو في صيرورة العالم إلى الوحدة ينتهي به الأمر إلى الخير، لان الخير ليس اكثر من إضعاف معنى التعدد في الكائن وبالتالي في العالم، والوجود كله ينتهي حتماً إلى الوحدة وفيها خيره أو هي والخير سواء، والوحدة إذن منشودة للإنسان بطبعه، وللأسرة بطبعها، وللقوم بطبيعته، وللعالم بطبعه، ولولا أن التعدد هو طبيعة كل أمر من ذلك لما هدف كل واحد منها للوحدة، فالتعدد أمارة ودليل على الوحدة، فالوحدة والخير قمة الوجود أو مطلوب كل كائن فيه، ولأنها العنصر الباقي فيه كانت أسمى كائناته، إن اتجه إليها الإنسان يتجه إليها بطبيعته وان ميزها في الوجود ميزها لا عن رغبة وهوى، بل عن ضرورة من واقع الوجود نفسه، وليس تقديسه لها سوى الاعتراف بميزتها وليست عبادته للواحد سوى أيمانه بانفراده بالبقاء.
والدين عبادة، إذن هو من ضروريات الحياة أو الوجود وأسمى الأديان ما كان معبوده الواحد الباقي وخير المذاهب والاتجاهات ما دعا إلى الوحدة.