ـ(85)ـ
عما يجب أن يكون ولا يفكرون فيما هو كائن.
وإذا فكروا فيه فإنما يفكرون في إخضاع ما هو كائن لما يجب أن يكون.
ولست اعرف فيهم من حاول تقييم أدلته على أساس من عرضها على الواقع المحسوس ـ فيما يكون له واقع محسوس منها ـ ويلتمسون مدى انسجامها معه ثم ينطلقون من وراء ما ينتهون إليه إلى الحكم على صحة الدليل وعدمه.
وقد كانت لي محاولة ـ عندما كنت مدرساً لمادة التاريخ الإسلامي ـ في كلية الفقه ـ أن أجعل من وسائل النقد المضموني لبعض الأحاديث عرضها على طبيعة زمنها ثم بيئتها ثم الشخص الذي قيلت فيه فان انسجمت معها جميعا أمنت بصحتها ـ إذا لم يكن في أسانيدها مما يوجب التوقف.
وكأنك ـ يا أخي ـ تريد أن تشير إلى نفس هذا المقياس في إيمانك بهذه الأحاديث.
ومثل أدلة عصمة أهل البيت ـ آيات وأحاديث ـ إذا كان فيها مجال لتردد ما ـ من تقبل بعض من عاصروا ولادتها حيث أنها افترضت في الأئمة واقعا لم يخضع ـ إذ ذاك ـ لتجربة كاملة فهي أشبه بالتحدث عن عوامل الغيب ـ فلا يقتضي أن يظل التردد قائما بعد أن أخذ الأئمة من أهل البيت واقعا تاريخيا عرضهم في مختلف مجالات السلوك والمعرفة وبوسع الباحث أن يقطع تردده بدراسة سيرهم والحكم لهم أو عليهم على ضوء ما ينتهي إليه.
والشيء الذي وددت التنبيه عليه أن التاريخ لم يكن في يوم ما ملكا لهم ولشيعتهم واتباعهم يسيرونه كيفما يريدون وإنّما كان ـ كشأنه في أي عصر ـ ملكا للفئة الحاكمة تسيره كيفما تريد.
ونحن نعلم أن أهل البيت كانوا يشكلون في جميع أدوار حياتهم جبهة المعارضة للسلطة الزمنية، المعارضة الشريفة التي لا يمكن أن تهادن على منكر تراه