ـ(64)ـ
ولاية القضاة هنا نستكشف وجوه القوة في قرارات القضاء حين تبنيهم لرأي اجتهادي معين، كما أن هذه الصفة بولاية القاضي مكنت من ديمومة النزعات الفقهية وحيويتها ودفعت بالرأي الذي اتخذه الحكم القضائي نحو إقراره في الحياة العملية كما أبرزت دوره الفاعل في المجتمع.
ومن آثار تمازج هذه الأفكار وأسلوب عرضها على منصة القضاء اتضح "أن مذاهب الصحابة والتابعين هي الموارد الفعالة والعناصر القوية التي تكونت منها مذاهب المذهبية، ومع هذا فقد بقيت متميزة محفوظة في كتب الآثار وفي كتب اختلاف الفقهاء وفي كتب التفسير الأولى وشروح الحديث الموسعة ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً وهي الذخيرة الأولى الباقية وهي الضياء الهادي"(1).
وتبدو أهمية البحث في الآراء المختلف فيها لاستخلاص رأي جامع يوفق بينها من خلال ما يذكره العلماء المحققون في باب علم الخلاف(2) حيث ذكروا أن الخلافي أما مجيب يحفظ وضعاً شرعياً أو سائل يهدم ذلك، وجهات الالتقاء بينهما إنّما هي في عرض آراء الفقهاء والموازنة بينها وأن كان يفترقان في قربهما من الموضوعية في البحث وبعدهما عنها.
ومن الواضح هنا أن الفقه المقارن الذي تضطلع به مهمة القاضي في جزء هام منه إنّما تتم في استيعابه للآراء المطروحة على اختلافها باعتبار أن كلا منها يمثل حالة من صور المعالجات المقترحة للقضية ولم تكن وظيفته جدلية لا يهمها الواقع بقدر ما يهمها الانتصار في مقام المجادلة والخصومة كوظيفة المحامي الذي يضع نفسه طرفاً في الدعوى للدفاع عمن يتوكل عنه ذلك لأن وظيفة القاضي الحاكم تتجسد أهميتها هنا باعتباره يتحمل مسؤولية فحص جميع الوثائق وتقييمها، والتماس أقربها للواقع تمهيداً لإصدار حكمه ولا يهمه أن يلتقي ما