ـ(60)ـ
من السعي لاستقراء هذه المسيرة الفقهية لمعرفة المدى الذي امتازت فيه نظرية القضاء في جانبها الحركي وأثر ذلك في حياة الأمة المسلمة، وما أنتجته من معطيات رائدة في أسلوبها الذي وحدت فيه الصفوف اتجاه الهدف، وجعلت من الاتجاهات والنزعات اتباع المنهج الموحد.
إنّ نظرية التوازن الذي ولدت على يد القضاء الإسلامي كانت تمتاز بأهمية كبيرة برزت في ملامح المنهج التقريبي الذي يمكن أن نستنتجه في الوجوه التالية كنتائج لبحثنا الموسوم(نظرية القضاء الإسلامي وأثرها في مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة):

الوجه الأول ـ شخصية القضاء والقاضي:
1 ـ أساس القضاء بين الناس هو وجود الخصومة التي لابد من وجودها في كلّ مجتمع إنساني، ولذلك فقد اعتبرت الشريعة السلطة القضائية موجودة بالضرورة وقد وضعت لها ما يكفل حسن سيرها وكفلت احترامها من الكافة دون تمييز عنصري أو مذهبي، وأن لكل ذي حق حقه في تقديم الدعوى ضد خصمه، وأن على القاضي أن يستقبل هذه الدعوى وينظرها دون لحاظ معين بالذات، فالناس سواسية أمام القضاء لا فرق بين مسلم ومسلم وقد كان لهذه الفكرة تطبيقاتها الواسعة التي مست شخصية الصحابة الكرام بالذات ووقف الكثير منهم أمام ساحة القضاء وبمستوى عادل من خصومهم وصدرت الأحكام بحقهم في ضوء أحكام القضاء في الشريعة.
2 ـ يخضع اختيار القاضي لمواصفات حددها الفقهاء في موسوعاتهم ووضعوا فيها الشرائط الواجب توفرها في القاضي حيث تضمنت أحكاماً مفصلة بذلك إلاّ أن المعيار في الاختيار لم يخرج عن ضوابط التقوى والاجتهاد. وفيما