ـ(59)ـ
النزاع أن هذا بحد ذاته من مؤشرات التقريب بين وجهات النظر المتباينة، وأن الممارسة العملية لواقع الفكر الفقهي في الشريعة الإسلاميّة يسمو بالفقه إلى تحقيق غايته السامية في رعاية العدالة وإقرارها وبناء المجتمع الصالح الذي طمحت إلى تأسيسه الرسالة المقدسة وبذلك، فأن الفقه الإسلامي ليس إلاّ وجهاً من وجوه الفهم والتفسير والبيان لنصوص الشريعة وأحكامها وتطبيقاً لمبادئها وقواعدها على جزئيات الوقائع والأحداث حسب الأزمنة ومصالح الناس(1).
أن مجموعة الأصول الفنية التي امتازت بها صياغة الأحكام في كلّ وجهة اجتهادية للمذاهب الفقهية الإسلاميّة هي التي اصطبغت بها رصانة الحكم القضائي ومتانة الأسلوب الذي اتصفت به مدونات القضاء الإسلامي، والقضايا التي استعرضتها الكتب الخاصة التي درست القضاء الإسلامي باعتباره علماً له معياره، وفنا له أصوله، وأسلوباً يعكس الخبرة التطبيقية.
إنّ أهمية القضاء الإسلامي تبرز في أثره على مسيرة التقريب من خلال دراسة أسلوب الحركة للمسار العملي الذي سلكته نظرية القضاء في الشريعة الإسلاميّة.

ملامح المنهج التقريبي في القضاء
إنّ المبادئ الإسلاميّة التي تجسدت في نظرية القضاء وترسخت لترسم الصورة المثلى التي تعكس معطيات النظرية القضائية اجتمعت في التراث التشريعي لدى الصحابة والتابعين بقدر محدود لم يبرز فيه أثر الاختلاف لقربهم من عصر الرسالة إلاّ أن الفترة اللاحقة كانت مصطبغة بجوانب اتضحت منها الأفكار وهي في مخاض صعب ورؤية لا تعكس واقع الشريعة الإسلاميّة بوضوح ومن هنا كان لابد