ـ(43)ـ
الخلافات الفكرية قد تكون في نفسها دليل حياة ودليل قوة شرط أن تكون وليدة حالة طبيعية وأن تبقى في حدود الدائرة الفكرية، فتعدد الآراء والنظريات من شأنه أن يثري الحركة الفكرية ويدفعها نحو التكامل والرشد نعم هناك حالات من الخلاف الفكري تنشأ من التقليد الأعمى والتعصب البغيض، فتولد حالة القصور الفكري والجمود، وهذه بلا شك من الأمراض التي تتطلب العلاج.
في الساحة الإسلاميّة هناك نوعان من الخلاف الفكري:
النوع الأول: الخلاف بين المسلمين وغيرهم ممن لا يعتنقون الدين الإسلاميّ من الملاحدة أو أهل الكتاب، ولا شك أن هذه الدائرة من الخلاف ليست محل كلامنا، ولكنها يمكن أن تؤخذ نموذجاً لدراسة المنهج الذي رسمه الإسلام لنا في كيفية التعامل مع الخلافات الفكرية بشكل عام، وهذا النوع بشكل خاص.
ففي دائرة الخلاف مع الملحدين، لا يقطع الإسلام حبل الوصال معهم وإنّما هو يخاطب عقولهم باعتبار أنّه القدر المشترك بين كلّ البشر، ويتابع منهج الحوار الفكري ما دام ذلك ممكنا إذ أن هدف الإسلام الأساسي هو الوصول بالناس ـ كلّ الناس ـ إلى الحق والارتباط بالحق ليس أكثر.
[ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين](1).
ولم ينكر الإسلام على الناس الشك في شيء إذا كان ذلك في طريق طلب الحقيقة وفي سبيل الوصول إلى اليقين وإنّما أنكر على المشككين الّذين يرفضون الحقيقة دون حجة ولا بينة، وإنّما يدفعهم إلى ذلك حالة العناد والتقليد الأعمى.
______________________
1 ـ سورة النحل ـ 125.