ـ(44)ـ
هذا هو المنهج القرآني في طرح الحقيقة والدعوة إليها فهو تارة يدعوهم للتدبر في الآيات الكونية وأخرى يطلب منهم التأمل بأنفسهم وأعمال عقولهم وثالثة ينقض عليهم دعاواهم، وهكذا يرسم منهج الحوار مع الفكر ومخاطبة العقول.
ولا يلجأ إلى القوة والحسم إلاّ إذا مارسوا الطغيان ولجوا في العناد وتنكروا للعقل والدليل، وهو مع ذلك يترك الباب مفتوحاً إذا ما استجابوا لنداء العقل وتخلوا عن العناد ورضوا بالحق.
ومن النوع الأول أيضاً الخلاف مع أهل الكتاب، لكن المسألة هنا تختلف من حيث سعة دائرة المشتركات، فهم يؤمنون بالله ويصدقون بالمعاد وبوجود الرسالات السماوية ـ بالجملة ـ، فالحوار معهم كان مبنياً على أساس المسلمات المشتركة.
[ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن، إلاّ الّذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون](1).
[قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سوآءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإنٍ تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون](2).
وكذلك هنا لا يخرج عن دائرة الحوار الفكري ومخاطبة العقول والاحتجاج بالمسلمات عندهم وإقامة الدليل والبرهان، إلاّ إذا أعرضوا عن هذا الأسلوب وأخذتهم العصبية ولجّوا في العناد، وهو مع ذلك يتدرج معهم في المقارعة والنزاع.
______________________
1 ـ سورة العنكبوت ـ 46.
2 ـ سورة آل عمران ـ 64.