ـ(173)ـ
الدنيا وأرباب السلطان، فإذا قدروا على الأضرار به في بدنه وماله فعلوا ذلك وهم بفعلهم مشكورون عند أبناء جنسهم من العامة والمقلدة، لأنهم قاموا بنصرة الدين بزعمهم، وذبوا عن الأئمة المتبوعين وعن مذاهبهم التي قد اعتقدها أتباعهم فيكون لهم بهذه الأفعال التي هي عين الجهل والضلال من الجاه والرفعة عند أبناء جنسهم ما لم يكن في حساب".
ويبدو أن هذا التعصب قد أعاق حركة الاجتهاد والتجديد التي حاول بعض الأعلام الّذين ظهروا في عصور الضعف والركود أن ينهضوا بها عن الانطلاق وكسر طوق المذهبية الذي خنق الحرية الفكرية وأكره الأمة على أن تسير في ركب التبعية المطلقة للآراء والاجتهادات التي خلت، والتي إنّ صلحت لعصر فلن تصلح بالضرورة لغيره مما أطال أمد تخلفها وكسوف شمس نهضتها وفرق بين أبنائها وأعطى للدخلاء فرص السيطرة عليها والسعي لغزوها عسكرياً وفكرياً.
4 ـ الصراعات الدموية: كانت تلك الصورة المؤسفة للتعصب المذهبي في دائرة القول والكلام وكانت على جرائرها أيسر وقعاً وأخف وزنا من هذه الصورة المحزنة التي تمثلت في الصراع الدامي بين أتباع المذاهب حتّى في المساجد دون مراعاة لحرمتها يروى انه في سنة 326 هـ حصل في مصر قتال بين أتباع المذهب الشافعي، والمالكي، والحنفي في المسجد الجامع العتيق وقد وصل أمر هذا القتال إلى الإخشيد الذي كان واليها في ذلك الحين، فتدخل لفض النزاع ولم يتمكن من ذلك إلاّ بعد أن أرسل فرقة من الجنود طردت الفقهاء من المسجد ثم أمر بإغلاقه ولا يفتح إلاّ في أوقات الصلاة، وقد سمح للفقهاء بعد ذلك بالتدريس في المسجد بعد شفاعات، وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي عند الحديث عن مدينة أصفهان وقد فشا الخراب في نواحيها، لكثرة الفتن والتعصب بين الشافعية، والحنفية،والحروب المتصلة بينهما، فكلما ظهرت طائفة