ـ(172)ـ
أحال مناظرات كثير من الفقهاء إلى صراع جدلي لا يعرف الموضوعية أو الأمانة وإنّما يعرف قصد الغلبة والتظاهر بالعلم والفضل ففقدت مهمتها في تنمية الأفكار وتطويرها وأمست من عوامل ضعف الحياة العلمية وتعميق قوة الخلاف بين المذاهب الفقهية وتوهين روابط الوحدة.
2 ـ انتشار الأحكام الغربية في الفقه الإسلامي: وكان من أوزار التعصب المذهبي ظهور الآراء والأحكام غير اللائقة بحق اتباع المذاهب الأخرى كتحريم الزواج من مذهب آخر، أو بطلان الصلاة خلفه، أو تكفير اتباع المذهب الآخر، أو اعتبار آراء الغير باطلة ورأيه هو الصواب وما إلى ذلك من الآراء التي عمقت الخلاف والشقاق بين أبناء الأمة في فترات طويلة.
3 ـ العمل بخلاف طريقة الأئمة في الاجتهاد: بالرغم من أن أئمة الفقه والعلماء من السلف الصالح كانوا لا يرون قداسة لآرائهم، وكانوا يعتقدون بأن آراءهم اجتهادات عرضة للصواب والخطأ، وكانوا يخصون من يأخذ عنهم بأن يسلك سبيلهم في الاجتهاد، ولكن اتباع المذاهب صوروا المذهبية على أنها التزام مذهب معين ولا يجوز أن يعمل بغير مذهبه وأحياناً عليه أن يقبل آراء المذهب دون مناقشة لها أو اعتراض عليها، وقد أفتى بعضهم بأنه لا يجوز الانتقال من مذهب إلى آخر.
لقد دفع التعصب المذهبي إلى العكوف على تقليد المذاهب والدفاع عنها وعدم الخروج عليها وإن اشتلمت على بعض الآراء الضعيفة أو المخالفة للكتاب والسنة، وليس فقط ذلك وإنّما كانوا يناهضون من يخرج على آراء السابقين ويصف الإمام الشوكاني(المتوفى عام 1250هـ) هذه الحالة المزرية ويقول في كتابه "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد": فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد بشيء يخالف ما يعتقده المقلدة قاموا عليه قومة جاهلية، ووافقهم على ذلك أهل