ـ(167)ـ
وقد نشأت عشرات المذاهب الكلامية، والفقهية، خلال القرن الثاني والثالث الهجري، ويمكن أن نعتبر ذلك العصر من أهم عصور الاجتهادات في الفقه والفكر الإسلامي..
إلاّ أن هناك عاملين كانا وراء بقاء بعض المذاهب الفقهية واندثار الباقي(1) وهذان العاملان هما: اعتناق الخلفاء لبعض المذاهب وجعل القضاء مقصوراً على فقهاء ذلك المذهب ومن ثم دعم هذا المذهب الخاص، وجهد تلاميذ الأئمة في تدوين المذاهب ونشرها بين الناس مما جعل النفوس تستريح إلى هذه الثروة الفقهية الهائلة وتستغني عن البحث والاستنباط وبالنتيجة تفضل التقليد على البحث والاجتهاد.
وقد مرّت المذاهب الفقهية(السنية) بعد قيامها وتبلور مناهجها بثلاث مراحل أساسية:

مراحل تطور المذاهب السنية:
المرحلة الأولى: مرحلة قيام المذاهب وتأسيسها وظلت نحو ثلاث قرون حتّى سقوط بغداد على يد المغول سنة 656 هـ حيث نما الفقه فيه وتطور وعرف لوناً من الاجتهاد، داخل نطاق المذهب وليس اجتهاداً في نطاق الشرع، كما تضاعف الاهتمام بعلم أصول الفقه ووضع قواعد كلية تندرج تحتها الأحكام الفقهية وامتازت هذه المرحلة بتنظيم وترتيب الفقه المذهبي، فقد كان من أثر الدفاع عن المذاهب والدعاية لها والعمل على نشرها تأليف الكتب التي تجمع
______________________
1 ـ المذاهب الفقهية المعتبرة التي انتشرت وظلت حتّى عصرنا الحاضر هي: المذاهب السنية الأربعة المشهورة (المالكية والحنفية والحنبلية والشافعية) والمذهبان الشيعيان الإمامية والزيدية، ثم المذهب الاباضي.