ـ(166)ـ
عوامل ظهور الفرق والمذاهب الفقهية والكلامية:
ولم يكن ظهور الفرق والمذاهب في الإسلام فجائياً أو منطلقاً من فراغ، بل إنّ له من الخلفيات والأرضية المناسبة والعوامل ما تفاعل بقوة، بحيث بات ظهورها أمراً طبيعياً ومتوقعاً، ويمكن حصر أهم العوامل والأسباب التي أدت إلى الإعلان عن قيام المذاهب بشكل رسمي بما يلي:
الأول: أرضية الخلاف الواسعة، والتي كانت مزيجاً من عاملين سياسي، وفكري، كما مر.
الثاني: ظهور مناطق فراغ في المجالين الكلامي، والفقهي، وحاجة المسلمين لمعرفة تكليفهم الشرعي، الأمر الذي حمل الفقهاء والمتكلمين على سد هذه المناطق من خلال بلورة أفكار واتجاهات وأصول متباينة حيال تفسير القرآن وتطبيقه، وإخضاع ذلك للاجتهادات، وكذلك الحال بالنسبة إلى السنة المطهرة، وبذلك يختلف الموقف من القضايا المطروحة فيؤدي ذلك إلى اعتبارها حقيقة إسلامية عند بعض وبعيدة عن الإسلام عند بعض آخر.
الثالث: حاجة الحكام إلى اتجاهات تشريعية تناقض الاتجاهات التي تخالفهم فكرياً، وسياسياً، والى غطاء ديني يدعم ممارساتهم.
الرابع: الوضع السياسي العام، وحالة الانفتاح ـ خلال الفترة الانتقالية التي فرضها سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ـ والاستقرار النسبي الذي شهدته البلاد الإسلاميّة، وخاصة على مستوى الوضع الداخلي وحركة الفتوحات.
الخامس: شعور بعض الاتجاهات الفكرية، السياسية، التي لها عمق زمني بضرورة بناء كيان مذهبي مستقل انطلاقاً من اعتقادها بأنها تمثل الموقف الشرعي الملزم، وبأحقية تصوراتها في المجالات الكلامية، والفقهية، والسياسية(1).
______________________
1 ـ جذور المسألة الطائفية في الإسلام ـ علي المؤمن.