ـ(162)ـ
لو حاول الإنسان أن يصعد بهذه الأمور إلى مستوى الأمور المطلقة والمعايبر العامة، فحينئذ تكون الكارثة وعندئذ تكون(الطائفية) قد تجلت بأبشع صورها وأخس اشكالها، وحينئذ يتحول النسبي النافع إلى قيد على الذهن الإنساني يمنعه من الانطلاق الحضاري البناء باعتبار أن هذا النسبي يرتبط بظروفه الموضوعية، فإذا جعل مطلقا لهم يعد يمكن للإنسان أن يتخطى هذه الظروف، وحينئذ فالجمود والانحطاط المقيت.
إذن فنحن عندما ندين الطائفية وندعو إلى نبذها على الصعيد الفردي والاجتماعي لا نقصد مطلقاً: أن يتنازل الفرد أو المجتمع عن عقيدته وإيمانه، أو أن لا يميل عاطفياً إلى قومه، أو طائفته، أو وطنه كما لا نقصد أن لا يدافع عن مبادئة التي آمن بها بقوة ولا يعلن رأيه بكل صراحة وأن لا يعمل على تقوية الخط الذي يؤمن به بالسبل الإيجابية الحصيفة وإنّما الذي نعنيه ويعنيه كلّ من ينطلق لإدانة هذه الصفة من أسباب موضوعية إنسانية هو: رفض كلّ انحياز غير موضوعي إلى عقيدة، أو طائفة، أو وطن أو قومية وابتعاد عن المنطق السليم، والحوار الحر البناء، ومنع الآخرين من إبداء آرائهم بكل حرية ومنع ذوي الاختصاص من مناقشة فكرة ما والوصول إلى صخرة الواقع ولب الحقيقة(1).

ثانياً: المسألة الطائفية والمذاهب الفقهية عواملها.. ومراحل تطورها:
إنّ الهدف من دراسة المسألة الطائفية كحقيقة تاريخية وعلمية، وكقضية تدخلت عدة عوامل في صنعها وتأجيجها ومن ثم حرفها عن سيرها الطبيعي هو الوصول إلى مشروع قناعة مشتركة يمكن أن يكون دافعاً لإيجاد نواة التفاهم
______________________
1 ـ مجلة التوحيد العدد 11 ـ 1404 هـ حول الطائفية أنواعها وتطبيقاتها.