ـ(14)ـ
وقفة أمام المضامين:
إنّ أهم أمر حرصت "سورة الإخلاص" المباركة على إرساء قواعده في فكر الإنسان المسلم، وعقله وضميره، هو أحدية الله عزّوجلّ في وجوده، فليس هناك حقيقة إلاّ حقيقته، وكل موجود إنّما يستمد وجوده منه،(1) ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة العظمى الاحدية الصمدية، فلا يشاركه أحد في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله تعالى الله علوا كبيراً، وما يملكه أحد من خلقه من شيء إنّما هو مستمد من الله عزّوجلّ، يفيض من فضله على ما يشاء بما يشاء.
ثم إنّ أحدية الله عزّوجلّ، ليست في إطار ذاته ووجوده عزّوجلّ فحسب، وإنّما أحدية الفاعلية كذلك، فليس أحد سواه فاعلاً لشيء في هذا الوجود أو فاعلا فيه دون أن يفيض عليه الله عزّوجلّ من فضله، سواء أكان ملكاً مقربا، أو نبياً مرسلاً، أو غيرهما.
أن استعمال القرآن الكريم للفظة(أحد) فيها كلّ تلك الدلالات المباركة المذكورة دون لفظة(واحد).
"أحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنّما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجاً ولا ذهناً ولذلك لا يقبل العد، ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فأن كلّ واحد له ثان وثالث و...أما خارجاً وأما ذهناً بتوهم، أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيراً، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانياً كان هو، هو لم يزد عليه شيء"(2).
"وإنّما قال(أحد) ولم يقل واحد لأن الواحد يدخل في الحساب ويضم إليه أخر وأما الأحد فهو الذي لا يتجزأ) ولا ينقسم في ذاته، ولا في معنى صفاته،
______________________
1 ـ في ظلال القرآن ـ سيد قطب ج 6(تفسير سورة الإخلاص) والميزان للعلامة الطباطبائي.
2 ـ الميزان ـ العلامة الطباطبائي ج 2 ص 387.