ـ(109)ـ
تمهيد
الإنسان هو مناط تكليف الله تعالى المعني بخطابه من بين مخلوقاته في أرضه، ذلك لأن الله سبحانه اختاره من بينها ليكون خليفة في الأرض، قال تعالى: [وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون](البقرة: 30) وقال [وهو الذي جعلكم خلآئف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ ليبلوكم فيما آتاكم](الأنعام: 165).
وما الاستخلاف إلاّ تكليف في إطار التشريف اختص الله به الإنسان ليقوم بعمارة الأرض مستلهما صوابه ورشده ممن طوقه قلادة هذا التشريف وحمله أوزار هذا التكليف، ويظهر أثر هذا الاستخلاف في المواهب الذاتية التي يتمتع بها الإنسان، من عقل مدبر، وبيان معبر، وعلم ملهم، جعلت الإنسان فريدا من نوعه، متميزا من بين جميع الأجناس التي شاركته في الحياة على ظهر هذا الكوكب المظلم حتّى تمكن من الاخذ بنواصي المخلوقات المنبثة من حوله وتسخيرها لمصلحته سواء كانت من جنس الحيوان أو النبات أو الجماد، فهو وحده الذي أطلقت يده في منافع الأرض وما فيها وما عليها، بينما انتفاع غيره انتفاع نسبي محدود جدا إذا قورن بانتفاع الإنسان، وقد ترجم القرآن الكريم ذلك في قوله عز من قائل: [هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً](البقرة: 29)، كما يظهر أثر هذا الاستخلاف أيضاً في هذه المكانة الرفيعة التي بوأ الله الإنسان فيها ورفعه إليها وامتن بها عليه في قوله: [ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً](الإسراء: 70)