ـ(68)ـ
جدا أنّه لم يدع أحد من الأصوليين ـ بحسب الظاهر ـ كون البحث عن ثنائية اللفظ، والمعنى، أو بحث الوضع من مسائل علم الأصول، ذلك أن المناطات التي أخذت في المسألة الأصولية من خلال تعريف علم الأصول برغم الاختلافات الشديدة بين العلماء في تحديده لا تنطبق بحال من الأحوال على مسألة الوضع، وإن كانوا قد بحثوها بشكل مفصل ومستوعب، كما بحثوا في موضوع العلم، وحقيقته، وما يتعلق به من العرض الذاتي وأقسامه، وما يرتبط به بحثا لا مزيد عليه مع أنّه ليس بحثاً أصولياً فضلاً عن كون مسائله مسائل أصولية بل لعله إلى بحث فلسفة العلوم أقرب أو لعله من الفلسفة نفسها.
لذا نرى الأصوليين في مقام التدوين يجعلون بحث الوضع من مباحث المقدمة، أو من مباحث المدخل، أو يعبر بعضهم عنه بالمبادئ اللغوية للعلم، مما يكشف عن عدم كون البحث فيه بحثاً أصولياً، بل هو بحث آخر: أما لغوى، وإما نفسي، وإما فلسفي، وإما جميعها بلحاظات، وحيثيات متعددة.
وهنا لابد لنا من البحث عن السبب الذي من أجله أسهب الأصوليون في بحث هذه المسألة، وما هي الثمرات التي يمكن أن تترتب عليها في مقام التعامل مع الدليل اللفظي ؟ وهل يمكن الاستغناء عن بحث الوضع، وما فيه من التفاصيل، أم أن هذا السؤال الأخير ضرب من العبث، والجهل بحقيقة العملية الاجتهادية التي يراد من خلالها الوصول إلى أحكام الله تعالى بمستوى يشعر الفقيه معه بالاطمئنان القوى جداً جداً عندما ينسب الحكم لله عزّوجلّ، ويعبد المقلد "المكلف" به ويلزمه بآثاره ولوازمه؟
والحقيقة التي لا ينبغي إنكارها، ولا يمكن التساهل فيها هي أن الأسس الرئيسية في عملية التشريع الإسلامي هي المصادر اللغوية سواءاً كانت تتجسد في القرآن الكريم، أو في السنة الشريفة المطهرة التي تعكس بالدرجة الأولى أقوال