ـ(31)ـ
كان من جملة أولئك الفقهاء الّذين لا يرضون بهذا الأمر الطارئ ـ أي انتشار التقليد في أحكام الشريعة بين الفقهاء ـ وأنه كان من أنصار فتح باب الاجتهاد بمصراعيه، على مستوى المذاهب الفقهية وهذا ما نلمسه بالضبط من ابن رشد، خلال أبحاثه، فيما يتخذه من المواقف الإيجابية، أو السلبية تجاه الآخرين.
"تلك عشرة كاملة" من نقاط استنبطناها بدقة من كلام ابن رشد، في ديباجة كتابه، وهي بمثابة ما يسمونه "براعة الاستهلال" لما احتواه الكتاب، وللهدف الذي يرمي إليه.

طرق تلقي الأحكام الشرعية:
صنف ابن رشد طرق الأحكام بوجه مبتكر لا مثيل لـه ـ فيما أعرف ـ في كلام الفقهاء، كما صنف أسباب الاختلاف كذلك وذلك على نهاية الإيجاز الممكن لـه فقسم طرق تلقي الأحكام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى لفظ وفعل وإقرار، وفيما سكت عنه الشارع فالجمهور بنوا على القياس، وأهل الظاهر نفوا القياس، والتزموا بأن ما سكت عنه الشارع لا حكم لـه (1).
ثم استدل ابن رشد بأن دليل العقل يشهد بثبوت القياس، لأن الوقائع غير متناهية والنصوص متناهية.
______________________
1 ـ والشيعة الإمامية أيضاً ينفون القياس غير منصوص العلة مع التزامهم بثبوت الحكم فيما سكت عنه الشارع، لكنهم يتوسعون في الاستفادة من إطلاق النصوص أو عمومها، مهما أمكن، وإلا يرجعون إلى ما يسمونه "بالأصول العملية" وهي: أصل البراءة والاحتياط، والاستصحاب، والتخيير، بحسب ما يقتضيه المورد. وهناك أصول خاصة مثل أصل الطهارة وأصل الإباحة، وأصل الصحة وغيرها ومباحث "الأصول العملية" في "علم الأصول" عند الإمامية واسعة جداً، لا نظير لها في سائر المذاهب الفقهية.