ـ(28)ـ
وعلى المذهب الحنفي بالخصوص، في حين أن الحفيد لم يدخل علم مسائل الخلاف ليثبت مذهباً خاصاً ويبطل غيره، بل دخل فيها ليقارن بينها ويضع إصبعه ـ كما يأتي ـ على نكات الخلاف دليلاً ومدلولاً ليس إلاّ، وهو يعد رائد مدرسة الفقه المقارن، وكان بحق في طليعة من ولج هذا الميدان بحياد تام، فهو لا يعرف سوى الدليل، ولا يعتمد إلاّ الراجح من الآراء والأدلة، ويطيب لنا أن نقول بصراحة: إننا لا نعرف بين المتقدمين والمتأخرين من يوازيه في الفقه المقارن بمعناه الصحيح، سوى ما نلمسه في بعض الموسوعات الفقهية الحديثة، وهي خطوة مباركة لا شك فيها.
ولعل سيدنا الأستاذ الإمام البروجردي (م 1380هـ) الذي كان بحق من رواد التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في العصر الحديث، والذي كان يمارس كتاب "بداية المجتهد"، لعله أنس من ابن رشد هذه الطوية الطيبة التي تحتاجها المدرسة الفقهية في هذا العصر، فكان يرغب طلابه إلى هذا الاتجاه من الفقه، وكم من مرة رأيته في غرفته وبيده بداية المجتهد، وإني ما عرفت هذا الكتاب إلاّ بسببه وقد كان هذا الإمام الكبير من أصدقاء الإمامين شيخي الأزهر الشريف "الشيخ عبد المجيد سليم"، و"الشيخ محمود شلتوت" وكانت تتبادل بينه وبينهما الكتب، وقد نشر بعضها في مجلة "رسالة الإسلام" التي كانت تنشرها "دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة" بالقاهرة، منذ أكثر من خمسين عاماً، وقد جدد طبعها بالأفست "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة" بطهران.
وعلى العموم، فإن ابن رشد كان ابن الدليل فيما يعرض من الآراء فإنه قد يقف إلى جانب الرأي النادر أمام رأي الجمهور، لقوة دليله وضعف أدلتهم فهل أثرت في نفسه وفي انشراح صدره تلك الآراء الفقهية التي ورثها من جده التي كانت مبنية على الاجتهاد أكثر من التقليد ـ كما قلنا ـ أو الآراء الفلسفية التي