ـ(174)ـ
استقلالا سياسيا عن مركز الخلافة ولكنهم ازدادوا التزاما بالإسلام وحركة في خدمته على جميع الأصعدة. كما أنهم منذ تشرفهم بالإسلام انصهروا فيه وانهمكوا في فهم لغته وكتابه وتعاليمه، فكانت لهم المشاركة العظيمة مما يدل كلّ ذلك على أن دخولهم الإسلام لم يكن أبداً بحد السيف، ولم يكن أبداً عن رهبة بل عن رغبة عميقة.
موقف الإسلام من الديانة الزرادشتية
كانت الديانة السائدة في إيران عند الفتح الإسلامي هي الديانة الزرادشتية، ومع أن طبيعة هذا الدين لم تكن كالمسيحية واليهودية في وضوح ارتباطها بالنبوات الحقة، فقد عاملهم المسلمون باعتبارهم أهل كتاب، ولم يجبروهم قط على ترك دينهم (1)، لكنهم دخلوا في دين الله أفواجا، ويعود هذا الدخول الجماعي في الإسلام إلى عوامل كثيرة أهمها ارتباط الديانة الزرادشتية بالنظام الحاكم الساساني، ومع انهيار هذا النظام الحاكم انهار الجهاز الديني الزرادشتي أيضاً (2)، ولا شك أن هذا الدين ارتبط في أذهان الإيرانيين بما كان ينزل بهم من ظلم الحكام الساسانيين، ولذلك وجدوا في الإسلام المنقذ لهم من هذا الظلم كما سنبين ذلك، ولكن هذا لا يعني طبعا دخول كلّ أتباع الديانة الزرادشتية في الإسلام فقد ظلت أسر كبيرة منهم على دينهم حتّى القرن الرابع الهجري، ولا تزال جماعة منهم باقية على دينهم حتّى يومنا هذا ولقد كان الزرادشتيون في ظل الإسلام ينعمون بما لم ينعموا به في ظل الدولة الساسانية، من ذلك إعفاؤهم من
______________________
1 ـ برتولد اشبولر، تاريخ إيران في القرون الإسلاميّة الأولى ص 338 من الترجمة الفارسية.
2 ـ نفس المصدر نقلا عن 117 ـ 110 Christensen .