ـ(14)ـ
بهم مقام عزة(1) لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة (2) وضربوا منهم في غمرة جهالة.
ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية(3) والربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالاً وذهبتم في أعقابهم جهّالاً تطأون في هامهم(4) وتستثبتون في أجسادهم وترتعون فيما لفظوا، وتسكنون فيما خربوا وإنّما الأيام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم)(5).
[كلا سوف تعلمون _ ثم كلا سوف تعلمون]: كلاّ حرف تستعلمه العرب للردع، أي ليس كما تذهبون ـ أيها الغافلون، المتكاثرون بزخرف الحياة الدنيا، فسوف تعلمون عاقبة تباهيكم وتفاخركم، وكبريائكم إذا نزل بكم الموت إذ ترون عذاب القبر، وعذاب الحشر معاً كما ورد عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) (6).
ويقول الحسن البصري ومقاتل: أنّه وعيد بعد وعيد...
وهو كذلك فهو تحذير من مغبة أعمالهم وسوء أفعالهم، وهذا التكرار يشكل تهديداً مؤكداً من جبار علي كبيرٍ لا يفوته هارب، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أنّه الله العزيز الجبار ذو القوة، الفعال لما يريد، الذي يرجع الخلق إليه كله.
[كلا لو تعلمون علم اليقين]: لو تعلمون الحقيقة علماً يقينياً لشغلكم
______________________
1 ـ أحجى أقرب للحجى أي العقل فإن موت الآباء دليل الفناء، ومن عاقبته فناء كيف يفتخر.
2 ـ العشوة ضعف البصر.
3 ـ الخاوية المنهدمة والربوع المساكن، والضلال كعشاق جمع ضال.
4 ـ جمع هامة أعلى الرأس وتستثبتون أي تحاولون إثبات ما تثبتون من الأعمدة والأوتاد والجدر أن في أجسادهم لذهابها ترابا وامتزاجها بالأرض التي تقيمون فيها ما تقيمون، ترتعون تأكلون وتتلذذون بما لفظوه أي طرحوه وتركوه.
5 ـ بواك جمع باكية ونوائح جمع نائحة وبكاء الأيام على السابقين واللاحقين حفظها لما يكون من مصابهم.
6 ـ نهج البلاغة ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) شرح المرحوم الشيخ محمّد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً، المكتبة التجارية، ص 466 ـ 467.