ـ(116)ـ
نهي الصحابة لما رآهم يتكلمون في مسألة القدر، وقال: (إنّما هلك من كان قبلكم لخوضهم في هذا)(1).
وأجيب عن الآية بأن النهي فيها عن الجدال بالباطل، بدليل قوله سبحانه وتعالى: [وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق](2) وأما الجدال بالحق فهو جائز لقوله سبحانه وتعالى: [وجادلهم بالتي هي أحسن](3) فلو كان الجدال بالحق منهياً عنه، لما كان مأموراً به، وقد أثنى الله على الناظرين بقوله تعالى: [ويتفكرون في خلق السموات والأرض](4) وأما نهي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الخوض في القدر فلأنه كان قد وقفهم على النص، فمنعهم عن المماراة فيه، (5) فكان جدالهم في القدر ليس من الحق.
قال الّذين جوزوا التقليد أيضاً في الأصول: إن النظر لو كان واجباً لفعله الصحابة وأمروا به، ولكنهم لم يفعلوا، ولو فعلوا لنقل عنهم كما نقل النظر في الفروع.
ودليل الجمهور في منع التقليد في الأصول: انعقاد الإجماع على وجوب العلم بالله تعالى، ولا يحصل ذلك بالتقليد، لإمكان كذب المقلد إذ أن صدقه إنّما يعرف بالضرورة أو النظر، والأول منتف، وإذا علم ارتفع التقليد.
أما ابن عربي فقد قال:
التقليد لا يجوز عندنا، لا تقليد حي ولا تقيد ميت، ويتعين على السائل أن
______________________
1 ـ أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة عنه بلفظ: (إنّما هلك من كان فيكم حين تنازعوا في هذا الأمر) جامع الأصول 10: 528؟
2 ـ سورة غافر: 5.
3 ـ سورة النحل: 125.
4 ـ سورة آل عمران: 191.
5 ـ المستصفى 2: 124.