ـ(114)ـ
النظر أنّه لما نزل قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض)(1) قال (عليه السلام): (ويل لمن قرأها، ولم يتفكر فيها)(2).
فالرسول توعد على ترك النظر والتفكر في آيات الله، فدل على وجوب النظر.
أجمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى، وما يجوز عليه، ومالا يجوز، وذلك لا يحصل بالتقليد، لأن المقلد ليس معه إلاّ الأخذ بقول من يقلده، ولا يدري أهو الصواب أم الخطأ وقد يكذب المقلد، فيضل مقلده.
وقد استدل المجوزون للتقليد بأدلة أخرى منها:
1 ـ لو كان النظر واجباً، لفعله الصحابة وأمروابه، ولكنهم لم يفعلوا، ولو فعلوه لنقل عنهم، كما نقل النظر في المسائل الفقهية الفرعية.
وأجيب عنه بمنع القول بأنهم لم ينظروا، فقد كانت معرفتهم بالعقائد مبنية على الدليل، وكل ما في الأمر أنّه لم توجد لديهم حلقات للبحث لاكتفائهم بصفاء أذهانهم، واعتمادهم على السليقة في الفهم ومشاهدتهم الوحي.
وأيضاً لا يسلم الباحث أنهم لم يكونوا مأمورين بالنظر، إذ ليس المراد من النظر تحرير المسائل على قواعد المنطق من الأقيسة والأشكال المعروفة، بل يكفي ما يفيد الطمأنينة، ومن أصغى إلى عامة الناس يجد أدلة كافية منهم على صحة عقيدتهم يستمدونها من الوقائع والمشاهدات، حتّى أنّه لا يكاد يوجد مقلد في الإيمان، لأن محسوسات الكون وتقلبات الطبيعة تعطي دليلاً سريعاً على وجود الخالق المبدع، لدرجة أن كثيراً من العوام يكون الإيمان في صدره كالجبال
______________________
1 ـ البقرة: 164، آل عمران: 190.
2 ـ رواه ابن مردويه، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه عن عطاء (تفسير ابن كثير 1: 440، وما بعدها).