ـ(77)ـ
وبين الرأي وعدم وجود تحديد دقيق لهذه المصطلحات، ويضاف إلى ذلك كله وجود الروايات الكثيرة بل المتواترة في التحذير من تفسير القرآن بالرأي والمقبولة لدى جميع فرق المسلمين وإن وجهها أصحاب المنهج العقلي والفلسفي في التفسير بتوجيهات معينة.
والذي يمكن أن يخلص إليه الباحث في مجال البحث الموضوعي هو أن التفسير العقلي أو ما يصطلح عليه بتفسير القرآن بالرأي ينقسم إلى قسمين:
أحدهما مقبول والآخر مرفوض، وهو الذي تحذر منه الروايات، وتنهي عن تعاطيه، وإن كان بعض أرباب الفرق الإسلاميّة يجيزونه مطلقاً، والبعض الآخر يمنعه مطلقاً، ونحاول في هذا الاختصار أن نستعرض كلمات بعض أساطين المذاهب الإسلاميّة لنرى رأيهم في ذلك:
يقول شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مقدمة تفسيره التبيان:
"وأعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن الأئمة (عليهم السلام) الّذين قولهم حجة كقول النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأن القول فيه ـ في القرآن بالرأي لا يجوز ، وروي العامة ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: "من فسر القرآن برأيه وأصاب الحق فقد أخطأ" وكره جماعة من التابعين، وفقهاء أهل المدينة القول في القرآن بالرأي: كسعيد بن المسيب وعبيدة السلماني، ونافع، ومحمد بن القاسم وسالم بن عبد الله، وغيرهم، وروي عن عائشة أنها قالت: لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) يفسر القرآن إلاّ بعد أن يأتي به جبرائيل (عليه السلام)(1).
وظاهر عبارته (ره) أنّه يمنع مطلقاً عن التفسير بالرأي، وإن كان دقيقاً في التفريق بينه وبين الاستفادات العقلية إذ أنّه يقول في مورد آخر:
"ولا يجوز لأحد أن يقلد أحداً منهم ـ أي المفسرين المتأخرين ـ بل ينبغي
______________________
1 ـ التبيان في تفسير القرآن ـ الشيخ الطوسي ـ تحقيق أحمد قصير العاملي ـ ص 4 من المقدمة ـ مكتب الأعلام الإسلامي.