ـ(56)ـ
وهناك خطاب آخر: [الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة](1) وهل هذان الخطابان نوع واحد من الخطابات، والذي يظهر هو أنّه يوجد فرق بينهما فالذي يظهر أن المسائل العبادية هي علاقة بين الله والإنسان وليس لها بعد حقوقي، وأما المسائل الحقوقية والتي تذكر في القرآن فهي الحقوق الجزائية مطلقاً.
والحقوق المدنية إذا ألحقت بالحقوق العامة فإن المخاطب بها هو المجتمع والمسؤول عن تطبيقها نيابة عن المجتمع هم الممثلون أي انه لا يحق لأي أحد أن يقطع يد أحد من دون حكم الحاكم بل الذي يجري ذلك هو الحاكم، وإذا قطع شخص يد آخر بجريمة السرقة فإن القاطع نفسه هو يعاقب، لأن المخاطب بالآية هو المجتمع والحاكم بما انه ممثل للمجتمع أو المدعي العام الذي هو ممثل ولي الأمر أي أن الذي ينفذ الخطاب هو الذي يدعي انه يدافع عن الجميع، وبعبارة أخرى فإن القرآن هنا، يبين أساس القانون أي ينبئ أن القانون هو هذا، وأما من ينفذ القانون ؟ وما هي الضمانة لا جرائه ؟ فإن هذا يعرفه المجتمع فإن القرآن يبني أسس القانون على نحو كليات قانونية، وهكذا بالنسبة إلى أمور الأسرة [إن خفتم شقاق بينهما] فإن الخطاب في [خفتم] ليس للرجل والمرأة عندما يتفرقان فإن الآية نفسها تدل على ذلك فإن المراد من [بينهما] ليس الرجل والمرأة حتّى يكون [خفتم] خطاباً لهما، وهنا من هو الذي يقوم بهذا العمل أن شكلت الدولة الإسلاميّة فإن الذي يقوم به هو ولي أمرها، وأن لم تشكل فإن الذي يقوم به هم عدول المؤمنين فإنهم هم الّذين يتولون النظام الاجتماعي في المجتمع فهم يشكلون الحكومة لأجل أن يصدروا الأحكام التي يجب أن تنفذ قبل الطلاق، وعندما يحدث اختلاف بين الرجل والمرأة فإن الدولة لا يمكنها أن تتصدى لذلك ولا تعتني بالخلافات الأسرية وتترك الأولاد الّذين ليس لهم كفيل والمليئين بالعقد النفسية وتتغاضى عن الانفصالات التي هي أساس الانحرافات الخلقية وعن
______________________
1 ـ سورة النور: 2.