ـ(40)ـ
كذلك يتقدم خبر الثقة الواحد على أصالة التخيير العقلية فان موضوع التخيير العقلي هو عدم وجود مرجح لأحد الطرفين على الطرف الآخر وخبر الثقة الواحد يصلح أن يكون مرجحا للطرف الذي يدل عليه الخبر على الطرف الآخر، فلا يبقى مع وصول الخبر موضوع ولا مجال لجريان أصالة التخيير العقلية. وبناء على هذا الإيضاح فان الإمارات والطرق (الأدلة الاجتهادية) يتقدم على الأصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير العقلي (الأدلة الفقاهتية) ولا يكون بينهما تعارض، لان معنى التعارض هو تكاذب الدليلين، ولا يتكاذب الدليلان إلاّ إذا كانا في عرض واحد وأما إذا كان أحدهما في طول الآخر فلا يتكاذبان، الأمر هنا كذلك فان الأصول العقلية تجري عند انتفاء خبر الثقة، ولا معنى لجريان هذه الأصول مع وجود خبر الثقة، ويسمي الشيخ الأنصاري (رحمهما الله) هذه العلاقة بين الأدلة بـ (الورود) ويحدده بما لو كان الدليل الوارد ينفي موضوع الدليل (المورود) نفيا تكوينيا ووجدانيا، بعناية التعبد من الشارع.
وهذا نوع من العلاقة بين الأدلة الاجتهادية والفقاهتية اكتشفه الشيخ الأنصاري (رحمهما الله) في جهده العلمي في المباحث العقلية من الأصول.
4 ـ الحكومة:
والنوع الثاني من العلاقة بين (الأدلة الاجتهادية والأدلة الفقاهتية) هي (الحكومة وهي أيضاً تقتضي تقدم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي ولكن ببيان آخر وطريقة أخرى تختلف بعض الشيء عن (الورود).
وتطلق (الحكومة) في مدرسة الشيخ الأنصاري (رحمهما الله) على حالة خاصة من العلاقة بين الدليلين يكون فيها أحد الدليلين ناظرا إلى مفاد الدليل الآخر وشارحا له ومبينا لكمية مدلوله، حتى إذا كانت هذه النظارة والشرح من الدليل الثاني للدليل الأول بغير الألفاظ المستعملة للشرح والتفسير نحو قولنا (بمعنى أي التفسيرية).