ـ(39)ـ
أذن الجمع العرفي والعقلائي بين هذين الدليلين بعد ضم أحدهما إلى الآخر يقتضي تقييد المطلق وتخصيص العام من الاستعمال الأول ما لاستعمال الثاني، واعتبار الدليل الثاني شارحا وموضحا لمراد المتكلم من الاستعمال الأول.
وبذلك فلا يدخل التخصيص والتقييد في باب تعارض الأدلة.
3 ـ الورود:
نستطيع أن نفهم معنى إجماليا عن (الورود) بملاحظة العلاقة بين (الإمارات) وبين الأصول العقلية العملية وهي البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليان.
أن خبر الثقة الواحد من الإمارات الظنية التي تثبت حجيتها بالدليل القطعي، بعكس النصوص المتواترة والمستفيضة الموجبة للقطع بنفسها والتي لا تحتاج إلى دليل من الشرع على حجيتها.
فإذا ورد خبر من ثقة على حكم شرعي بعد ثبوت حجة خبر الثقة الواحد يعتبر هذا الخبر بيانا من قبل الشارع على ذلك الحكم، وبه يرتفع موضوع البراءة العقلية وهو (عدم البيان) من ناحية الشارع بناء على القاعدة العقلية المعروفة بـ (قبح العقاب بلا بيان) فان خبر الثقة الواحد بيان من ناحية الشارع قطعا وبه ينتفي موضوع الأصل، وهو عدم البيان.
وكذلك يتقدم خبر الثقة الواحد على أصالة الاحتياط العقلية، فان موضوع أصالة الاحتياط هو احتمال العقاب على ترك الوجوب المحتمل أو ارتكاب الحرمة المحتملة، ومع حصول خبر الثقة الذي ثبتت حجيته من ناحية الشرع يحصل للمكلف الأمن من العقوبة على مخالفة الوجوب المحتمل أو ارتكاب الحرمة المحتملة. لان المكلف حينذاك يستند في ترك الواجب المحتمل أو ارتكاب الحرام المحتمل إلى ترخيص وأذن من الشارع، وبه يأمن من عقوبة الشارع، ولا يبقى موضوع ولا مجال لجريان أصالة الاحتياط من الناحية العقلية).