ـ(208)ـ
البعض بـ "التراث"(1).
ولعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) الكلام الفيصل في اختيار أي النظريتين في التعامل مع التاريخ، وذلك من خلال وصيته لابنه الحسن:
".. أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي ن فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتّى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى أخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره.."(2)
نعم هذه هي القراءة الصحيحة الفاحصة للتاريخ التي تجعل منه ضابطاً يشق من خلاله الطريق بسهولة "فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره"، وهذا ما نلحظه في كثير من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كان يستعرض لمن حوله تاريخ السابقين لا ليعيش من خلاله التسليه ولا ليطرحه من باب الترف الفكري، إنّما كان ذلك ليفتح لهم كوة من نور على تاريخ الماضين ليستضيئوا بها في حاضر هم الذي يشبه ماضيهم، ومن أراد المراجعة فعلية بمراجعة نهج البلاغة أو ما كتبه العلامة شمس الدين في كتابه حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام) سيرى كيف يقرأ علي (عليه السلام) التاريخ ؟ !
الأمة الإسلاميّة أمة تنتمي إلى تاريخها حتّى عادت من شدة تفريطها في ارتباطها بتاريخها تسمى بـ " أمة التاريخ" أو "أمة التراث" ومع غض النظر عن كون هذه التسمية صحيحة أو خطأ المهم أنها تكشف عن عمق الارتباط بالتاريخ، وهذا التاريخ ـ الذي تقدم بأنه ضابط ومرشد الحياة الأجيال نجد في كثير من منعطفاته أزمات تطول وتقصر، تشتد وتضعف في ذهن الأمة.
لأجل هذا تعالت صيحات المصلحين والمفكرين من أجل "إعادة كتابة التاريخ"، لأن التاريخ الذي وصل إلينا لم يكن خالياً من الشوائب ولا صافياً من
______________________
1 ـ نحن والتراث محمّد عابد الجابري.
2 ـ نهج البلاغة علي بن أبي طالب باب الكتب، رقم النص (31) تحقيق صبحي الصالح.