ـ(207)ـ
من خلال هذين البيانين اللذين تناولا حركة الإنسان مطلقاً يتبين أن التاريخ يرتكز على عنصرين: 1 ـ الإنسان 2 ـ الزمن من خلال تفاعل هذين العنصرين ينتج التاريخ الذي تكون مسرحه البيئة أو ما يعبر عنه الشيخ شمس الدين بـ"المحيط"، وأما ما أفاده هيجل فهو بيان لكيفية التعامل مع التاريخ.
لكن هل التاريخ الإسلامي يستثنى من هذا التعميم ؟. التاريخ الإسلامي حلقة في سلسلة حلقات التاريخ البشري، غاية الأمر أنّه يتميز بثقافة خاصة وظروف بيئية معينة تجعله يمتلك خصوصيات يتميز بها عن بقية حلقات التاريخ، من هنا أصبح التاريخ الإسلامي محوراً للدراسات المسلمة وغير المسلمة.
ومع هذا نجد أن هنا نظرتين للتعامل مع التاريخ:
الأولى: التي تمثل القطيعة مع التاريخ، وذلك باعتباره يمثل عائقاً أمام تقدم الأمة، أي أن العودة إلى التاريخ تعني النكوص والرجوع بالأمة إلى ماضيها السحيق الذي يمثل عهد التخلف قياساً بما نحن فيه من تقدمية ومدنية متطورة، أظن أن هذه النظرة لم تقرأ من التاريخ سوى المظهر العمراني وحالة العيش الخارجية ولذا قياسا بما نحن فيه يبدو أن الزاوية منفرجة إلى حد لا تقبل الالتقاء، وهذا حصر لفعاليات الإنسان الذي يصنع التاريخ في هذه الحدود الضيقة، بينما الإنسان صنع حوادث حفرت نفسها على هام الزمن، حيث أن التاريخ نقل لنا حوادث الصراع الدائم بين المظلوم والظالم ونقل لنا كيف انتصرت القيم والمثل، ولم يكتب لهذه الحوادث وغيرها الرجعية والتخلف كما يدعي الماركسيون والبنيويون.
الثانية: التي تمثل التواصل مع التاريخ، على اعتبار أن كلّ أمة لا تستند في مسيرتها ولا تعتمد على التاريخ هي أمة مبتورة لا يمكنها أن تقاوم الزحف نحو بناء حضارتها، بل ترى التاريخ محركاً للمستقبل ومادة وقوده، ومقياساً على أساسه تتحاشى الأمم الأخطاء التي وقع فيها السابقون ونقاط الضعف التي تسببت في اندحار أمم آخرين، بعبارة أخرى الاستفادة من التاريخ في حاضرنا بحيث لا يجذبنا إليه فنموت ونحن أحياء، ولا ننفصل عنه فنتحرك ونحن أموات، بل نستحضر التاريخ في حاضرنا ليكون شاهداً ومرشداً، هذا هو التاريخ الذي يعبر عنه