ـ(159)ـ
كائن، وكائن عن قريب، ثم إنه سيستشري في ما بعد متى تكون هذه الأمة مطمع الغزاة والناهبين !
"يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كلّ أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها".
قيل: يا رسول الله،فمن قلة بنا يومئذ؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهتكم الموت"!!(1).
وطبع الغثاء أن تعبث به الأمواج كيف تشاء، وهكذا عبثت أمواج الفتن بهذا الغثاء الكثير !! اسفاً.
ولكن أشد ما استنكره وحذر منه القرآن الكريم والسنة المطهرة أيضاً أن يعجب كلّ فريق بما عنده، حتّى الأهواء والبدع، فيذهبون أيادي سبأ [كلّ حزب بما لديهم فرحون](2).ويتمادى الأمر حتّى"يضرب بعضهم رقاب بعض"!(3).
ولكن هذا كله قد حصل، فحين يكون الجمع الكبير غثاء، وليس للغثاء جذور تربطه بقرار ثابت، فلا مناص مما حصل وإن أنذر القرآن وحذر الرسول !

ثلاث وسبعون فرقة
هل كان قدراً علينا أن نتفرق، فرضينا وسلمنا للقدر المحتوم؟.
أم نحن بأيدينا رسمنا هذه الخارطة المعقدة؟
إن النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) إن صح عنه أنّه قال: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " فإنما كان يخبرنا، ولم يكن يأمرنا:
______________________
1 ـ سنن أبي داود ـ الملاحم ح: 4276.
2 ـ الروم: 32.
3 ـ من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع.