ـ(158)ـ
فحاروا [مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء](1) فضح القرآن خفاياهم في مواضع كثيرة، وكشفت سورة التوبة خفاياهم وبالغت في ذلك حتّى سميت (الفاضحة)! وحتى ترقبوا أن تذكرهم بأسمائهم!
لكن ذلك لم يحصل، واكتفى النبي أيضاً بذكر بعضهم فقط لحكمة كان يراها ومصلحة اقتضت ذلك، لكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال كهذه لم يكن ليترك الأمر يعتريه الغموض التام فيلتبس على كثير من المؤمنين، فوضع لأجل ذلك موازين قسط لا تحيف، يدركها الأعمى والبصير، والصغير والكبير، فقال: "الأنصار آية المؤمنين وآية المنافقين؛ لا يحبهم إلاّ مؤمن، ولا يبغضهم إلاّ منافق"(2).
ثم أضاف (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هو اكثر وضوحاً، فدعا علي بن أبي طالب وعهد إليه عهدا أنّه "لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق"(3).
فكان علي (عليه السلام) فاروقا للصحابة ومن بعدهم، به يعرفون المؤمن حقاً والمنافق حقاً وقد تحدث بذلك كثير من الصحابة، فقالوا: "كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب"(4).
ومضت الأمة على وحدتها وتماسكها مدة حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليس ببدع أن تتفرق بعده، فقد تفرقت الأمم بعد أنبيائها!
النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حرص كلّ الحرص على أن يؤلف بين قلوب المؤمنين وحذرهم من التفرق والتشرذم، أنبأهم أيضاً أن ذلك
______________________
1 ـ سورة النساء: 143.
2 ـ كنز العمال 12: ح 33748 وأحاديث أخرى بهذا المعنى.
3 ـ صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ج 1 86 ح: 131، سنن الترمذي 5ح 2736، سنن النسائي ـ كتاب الإيمان ج 8: 116، سنن ابن ماجة 1: 42 ح ـ 114، مصابيح السنة 4: 171 ـ 4763، أمالي الطوسي ج 1 ـ باب 3 ح ـ 21، باب 10 ح 2.
4 ـ سنن الترمذي 5: 635 ـ 3717، الاستيعاب 3: 36، أسد الغابة 4: 129 عن أبي ذر، وصححه على شرط مسلم، وابن عساكر كما في ترجمة الإمام علي من تاريخه 2 ح: 729 ـ 738 عن جابر بن عبدالله الأنصاري، وعبادة بن الصامت، ومالك بن أنس، والمغازلي في المناقب ح 75 عن أم سلمة وعبد الله بن مسعود.