ـ(148)ـ
وعليه فإن الإسلام افترض سبيلين للوصول إلى الأهداف:
الأول: هو المباشر وعن طريق اتباع البرنامج الموحى به من السماء والذي لا مناص من بلوغ نتائجه في حال تطبيقه أما إذا لم يطبق فإن الله بالغ أمره ولكن عن طريق غير مباشر وبواسطة الاحتياطات التي وضعها الوحي أيضاً والفرق بين الاثنين هو طول المدة والتعاسة التي يدفعها البشر في الطريق غير المباشر.
ويبدو أن الوحدة التي أرادها الإسلام قد جاءت إرهاصاتها في عصرنا الحاضر، وهانحن نرى العالم يسير نحو الوحدة قسراً وبات ما عرف من عالم (القرية الكونية) على مرمى حجر. ولكنها وحدة يريد الغرب بناءها على أساس القوة المادية وبالاعتماد على القهر المادي وفرض الفكر المادي التبريري المسوغ والاتصعاف للاستغلال والقهر.
فالإسلام إذن فعل فعله على صعيد التاريخ سواء كره المشركون أو رضوا حين قال بوقوع الوحدة.
وأن الخطورات التي اتخذها والبذور التي زرعها قد نبتت ولكن ليست بالشكل الذي يريده الإسلام لأنه أراد وحدة تتم على يديه وبواسطة أفكاره، وعبر الوعي الاندماجي المستند إلى دين الله.
فعندما اختار أمة بكراً تصرف في أغلب معالمها وقفز في غفلة عن الحضارات التي كانت تؤول إلى انطفاء، ليفر ويترك لها أن تزرع أفكاره وعقائده في عقل الإنسان وفي دنياه كلها فإنه يكون قد وجه التاريخ بالوجهة التي يريد بغض النظر عن رضا الناس أو رفضهم.
وهكذا نجد الوحي دائماً مؤثراً ولكن تأثيره يتفاوت، فالمناطق القريبة من الوحي تتأثر بدرجة أكبر بينما لا تنتفع مناطق أخرى إلاّ من بعض نتائجه.
لقد سعى الإسلام بقيادة الرسول (صلى الله عليه وآله) لإنجاز آخر حلقات التطور الإنساني على يديه وهو على وعي كامل بالآثار التي سيؤديها على صعيد المستقبل وهو حين أخبر ببعض الأخبار لم يخبر بها من باب التمني بل لعلم الله بكافة النتائج المترتبة على وصول كتاب كالقرآن الكريم إلى الإنسان.