ـ(146)ـ
مشاربهم الفكرية، فالدكتور حليم بركات يقول في كتابه المجتمع العربي المعاصر (ص 226):
(تحولت الثورة مع الوقت إلى مؤسسة ومملكة وذلك خلال ثلاثين سنة فغلبت الدولة وسخرت الدين كما سخرت القبيلة لغايتها)
فالكاتب المحسوب على الاتجاه العلماني يقول: أن الثورة التي أطلقها الوحي تحولت إلى مؤسسة سخرت الدولة والقبيلة لغايتها كما سخرت الدين أي استخدمته لأغراض غير أغراضه.
وبغض النظر عن المؤاخذات على هذا القول فإنه يقر بالانفصال بعد ثلاثين سنة وبروز القبيلة إلى جانب الدولة وتسخير الدين بدلاً عن الخضوع له.
أما الدكتور عبد الحميد وهو محسوب على الاتجاه الإسلامي فإنه يقول في كتابه: (أزمة العقل المسلم) الصادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي: أن من أهم ما يجدر التنبيه إليه في مقام فهم ظاهره التاريخي هو أهمية فهم جذور نشاتها التاريخية فأصل هذه الظاهرة بداً حين حدثت الفرقة بين القيادة الفكرية والقيادة السياسية للأمة وذلك في أعقاب الفتنة التي اجتاحت عهد الخلافة الراشدة نتيجة الصراع بين قيادة دولة الخلافة الراشدة والعصبيات والتوجهات القبلية البادية العربية وما تبعها من حركات الردة والعصيان السياسي المتكرر منها والذي انتهى إلى المواجهة السافرة بين رجال دولة المدينة الملتزمين بسياسات الإسلام العامة، كأمثال الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير ومحمد ذي النفس الزكية وزيد بن علي وسواهم (رضي الله عنهم أجمعين) (1).
وفي هذا القول إشارة إلى الانقسام بين اتجاه سياسي وآخر فكري وهذا نفسه يعني التعدد الذي سيفاقم فيما بعد ويتحول إلى مذاهب وآراء وعقائد ستصارع فيما بعد لتكرس التراجع وينشأ عنها التفكك وبعبارة أخرى الأزمات المعاصرة.
______________________
1 ـ أزمة العقل المسلم، الدكتور احمد أبو سليمان: 39.