ـ(145)ـ
(دولة دينية وعقيدة إنسانية ومصالح تمزج بين المادي والروحي في تناغم واضح).
فالإسلام حين أراد اندماجاً اجتماعياً على أساس الوعي بدرجة رئيسية وليس على أساس المصالح وحدها أو القوة القهرية للسلطة بل عبر استخدام كلّ هذه العناصر بحسب الضرورات التي تفرض أساسية وأهمية الوعي، لأن الإنسان كائن واعي يتحرك بالوعي وتبعا له.
كان لابد من إنتاج عقل مسلم وثقافة إسلامية تنتج الاندماج وتحافظ عليه في العصور التاريخية التالية لعصر الوحي.
وبما أن الدين الإسلامي دين يمتد إلى يوم القيامة فإن الثقافة المنتجة للاندماج لأبد أن تكون مستوعبة لفترة تاريخية ممتدة من البعثة إلى القيامة وهي لا شك فترة طويلة بالتطورات.
وهكذا نرى أن التقابل الأول كان بين قيم الدين الموحى به من السماء وقيم القبيلة التي كانت تمثل الواقع الاجتماعي آنذاك.
وبناء على العوامل التي أسلفناها فإن هزيمة سريعة وقعت بالقيم القبلية لصالح الدين الجديد لأسباب منها:
1 ـ أنّه يلتقي مع الموروث.
2 ـ أنّه يلتقي مع الفطرة الإنسانية.
3 ـ ضعف المقابل القبلي.
ومع ذلك فإن الانتصار السريع لم يكن يمثل انتصاراً نهائياً لأن الوعي القبلي الذي عمره عدة قرون لا يمكن إلغاؤه خلال الفترة القصيرة التي عاشها النبي (صلى الله عليه وآله) بعد البعثة فلا بد من ترسيخ هذا الوعي وتركيزه لكي يستوعب العرب ويخلق لديهم أعمق حالات الوعي وليخلقوا بدورهم حالة نامية منه لدى الأمم السابقة والشعوب الأخرى.
بينما نرى أن أغلب الناس يتفقون على أن الانكفاء قد حصل بعد ثلاثين سنة فقط من تجربة التطبيق أي أن الأزمة الحالية والتعدد المعاصر يعود إلى اندماج ناقص وقع في هذه السنين يقرّ به أغلب المهتمين بالتاريخ الإسلامي على تعدد