ـ(142)ـ
بظهور الإسلام كقوة اقتصادية سياسية عقائدية صبغت العالم بصبغتها الخاصة وفرضت عليه مساراً خاصاً واتجهت نحو إقامة اندماج خاص محكوم بعقيدة دينية.
غير أن التطورات اللاحقة انتهت بنا إلى مواجهة مشكلة التعدد ولهذا فإننا مدعوين إلى متابعة نشوء الاندماج في البداية ثم أسباب التراجع إلى الواقع الحالي المتعدد.
وبغير عملية تحليل علمية وموضوعية للتاريخ فإن البحث سيكون بلا طائل.
ولاشك بان كلّ الحلقات التاريخية اللاحقة اعتمدت على التجربة الإسلاميّة الأولى واقتاتت على الوقود العقائدي الذي يحفظ عناصر اندماجها أساساً على الوعي وتلعب فيه القوة والمصالح أدواراً مكملة بناءاً على أن الإسلام أو الأديان عموماً تتأسس على قوة واحدة هي طريقة وعي وإدراك العالم دون أي سبل أخرى كالدوافع المصلحية أو العرقية أو أي شيء آخر ولهذا فإن أي ضعف في مستوي الوعي يعني بروز الجوانب الأخرى كعوامل مضادة بحكم تواجدها بصورة طبيعية فالإنسان أي إنسان يوجد في إطار عرق معين ينتمي إليه فطريا ويتعصب له، وبنفس الطريقة سيدافع عن مصالح سواء كانت فردية أو مصالح جماعة.
وكل هذه ستستحوذ على وعي الإنسان وتسخره إذا لم تعادلها قيم أخرى أي (دين)، فالدين الإسلامي بناء على هذه الحقيقة كان يعتمد أساساً على قدرة القيم التي أرسلتها التجربة الأولى في نفوس المسلمين في بناء الذات والمحافظة عليها إلى يوم القيامة، هذه الذات التي كان الإنسان موضوعها بغض النظر عن أي فوارق لونية أو عرقية أو طبقية.
ومن هنا فإن الأزمة اليوم هي أزمة وجدت هناك في الأسس ومع اللبنات الأولى عندما جاء الوحي في عمق الصحراء وفي غفلة عن العالم ثم أطلق موجة الحضارة وأرسى قواعدها، أي مع الحدث الذي وقع في الجزيرة العربية قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا عندما انطلقت جيوش القبائل العربية من معاقلها في الرمال القاحلة لتغير وجه العالم وتقيم حضارة على أسس مغيرة للحضارات