ـ(13)ـ
وإذا كان المرجحون لنزول سورة القدر في مكة يعتمدون على طريقة أدائها المألوفة في السور المكية من حيث جزالة الألفاظ وقصر الآيات وما إلى ذلك، فأن القائلين بنزولها في المدينة المنورة يستندون إلى نصوص نبوية صريحة كالحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم في مستدرك الصحيحين وابن جرير وغيرهم عن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط النبي (صلى الله عليه وآله) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت "إنا أعطيناك الكوثر"، ونزلت [إنا أنزلناه في ليلة القدر_ وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر] تملكها بعدك بنو أمية، قال القاسم الحراني: فعددنا، وإذا هي ألف شهر لا تزيد، ولا تنقص..."(1). كما يستندون إلى الأحاديث التي وردت شبيهة بذلك في الدر المنثور للعلامة السيوطي برواية الخطيب البغدادي عن سعيد بن المسيب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أريت بني أمية يصعدون منبري، فشق ذلك علي، فأنزل الله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر).
هذا، وقد روى مثل ذلك الخطيب في تاريخه عن ابن عباس (رض)، كما أورد مثله الطبراني والترمذي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي، وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)... هذا، وليس مستبعداً أن تكون السورة قد نزلت مرتين: مرة في مكة المكرمة، ومرة في المدينة المنورة، فأن مثل هذه الحالة مألوفة في بعض سور القرآن الكريم، حيث تتعدد المقاصد التي تحملها بعض السور، حتّى أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن من أسباب تسمية سورة الفاتحة بالمثاني لنزولها مرتين: مرة في مكة ومرة في المدينة.

المقاصد والأهداف العليا:
رغم قصر هذه السورة المباركة (خمس آيات فحسب) إلاّ أن ألفاظها تكاد تنوء بما حملت من مبادئ وأفكار ومعلومات تتعلق كلها بتاريخ الرسالة
______________________
1 ـ راجع (الباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي بهامش تفسير الجلالين ط بيروت 1989 ص 809.