ـ(11)ـ
وقد استفاد هؤلاء العلماء إضافة إلى استفادتهم من مداليل آيات سورة الدخان وسورة القدر والبقرة وسورة الإسراء... استفادوا من المدلول الدقيق الموحي الذي يحمله قوله تعالى:
[كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير]."هود:1".
إذ الآية تشير إلى مرحلتين من وجود القرآن الكريم: مرحلة الأحكام، وهي المرحلة الأولى، ثم تلتها المرحلة الثانية، وهي مرحلة التفصيل التي يعبر عنها المفسرون عادة بنزول القرآن الكريم نجوماً على مدى ثلاثة وعشرين عاماً..
ويبدو أن بين مرحلة "الإنزال" الأولى، ومرحلة "التنزيل" التدريجي مسافة زمنية طويلة، ولعل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أشار إلى فترة الإنزال المجمل على النبي (صلى الله عليه وآله) لأفكار القرآن الكريم في هذه المقاطع من خطبته المسماة بالقاصعة، حيث يقول: "ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره"(1).
أما مرحلة النزول التدريجي فقد بدأت بنزول مطالع سورة "العلق" وعمر النبي (صلى الله عليه وآله) يومها قد بلغ الأربعين عاماً، وبين مرحلة الصبا ومرحلة الكهولة مسافة زمنية طويلة جداً!
فضل السورة ومكانتها:
لا نريد أن نتكلم عن القيمة الثقافية التي تحتلها سورة القدر المباركة، حيث تبين شيء من هذه القيمة العظيمة في ثناياً ما قدمنا من حديث حولها، على أن الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة المسلمين (عليهم السلام) قد ذكرت لهذه السورة منزلة متميزة بين سور القرآن الكريم، فقد ورد عن أبي بن كعب عن
______________________
1 ـ نهج البلاغة: للإمام علي عليه السلام بتبويب الدكتور صبحي الصالح ط 1 عام 1967 ص 300.