ـ(10)ـ
العملية التغييرية الكبرى في هذا الكوكب، وكان هذا "الإنزال" على شكل أفكار وقيم بعيدة عن المكان والزمان لصنع القائد الرسول (صلى الله عليه وآله) في ضوء إرادة الله عزّوجلّ.
أما النزول الثاني وهو ما حكته سورة الإسراء في الآية السادسة بعد المائة، فكان "التنزيل" التفصيلي وهو الذي امتطى صهوة الأحداث التي مرت بها تجربة الدعوة والدولة والأمة عبر قرابة قرن من الزمان.
إن هذه الحقائق قد غفل عنها كثير من الأقدمين، ولذا عبروا عن حالة "الإنزال" بطريقة لا تخلو من غموض، فقد تحدث الصحابي الجليل عبدالله بن عباس "رض" حول ذلك بما يلي: "انزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في الليلة القدر، ثم كان ينزله جبريل (عليه السلام) على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) نجوماً..." (1).
وفسر الشعبي هذا الإنزال الذي جرى في ليلة القدر بقوله: "أنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر..." (2).
وفسره مقاتل بقوله: "أنزله من اللوح المحفوظ إلى السفرة وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا"(3).
بيد أن عدداً من العلماء يرون ـ كما أشرنا ـ أن القرآن نزل مرتين، مرة على الرسول (صلى الله عليه وآله) كمعارف إلهية وإسرار كبرى، ثم نزل مرة أخرى من أجل الأمة على سبيل التفصيل بألفاظه المحددة المعروفة.
والعملية الأولى كانت لأعداد النبي (صلى الله عليه وآله) لحمل الأمانة الإلهية الكبرى، والعملية الثانية لأعداد الأمة (4) وفتح قلوبها على حقائق الرسالة الإلهية الخاتمة..
______________________
1 ـ مجمع البيان في تفسر القرآن: للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ج 5 (تفسير سورة القدر).
2 ـ نفس المصدر والكشاف للإمام الزمخشري ج 4 تفسير سورة القدر.
3 ـ نفس المصدر والكشاف للإمام الزمخشري ج 4 تفسير سورة القدر.
4 ـ لاحظ علوم القرآن: لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم ص 34.