ـ(68)ـ
لعمر بن الخطاب وضح فيه أمور القضاء وآداب القاضي. وقد تقررت علنية الجلسات في مجلس القضاء، إلاّ إذا مست تلك المرافعات أو تناولت الدعوى أموراً سرية تتصل بأمن الدولة أو بالصالح العام، أو بالآداب العامة أو خشية إعلان الفضائح فتكون سرية، ويكون ذلك بقرار من القاضي أو بطلب أحد الخصوم قال الإمام الشافعي: "وأحب أن يقضي في موضع بارز للناس"(1) وقد كره جمهور الفقهاء أن يكون القضاء في المسجد، لكن في مذهب الحنفية القضاء في المسجد جائز، وجعلوا الجلوس في الجامع أولى من المسجد لأنه غير خفي على الغرباء وغيرهم لاسيما إذا كان في وسط البلد، لما صح عندهم من قول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ "إنّما بنيت المساجد لذكر الله تعالى والحكم"، والقضاء عبادة، وأولى مكان بالعبادة المسجد وأكد العلماء على علنية الجلسات، حتّى لو عقد القاضي مجلس القضاء في داره فلابد من الأذن في الدخول لعامة الناس إذنا عاماً ولا يمنع أحداً، لأن لكل أحد حقاً في مجلس القضاء(2).
وهذه أهم البنود التي تناولها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد بينت موقف الشريعة الإسلاميّة منها وسبقها في تقريرها.
غير أني أحب في نهاية هذا البحث أن انبه إلى مسألة هامة ذكرها فريق من كبار علماء المسلمين في المملكة العربية السعودية في حوارهم مع فريق من كبار رجال الفكر والقانون في أوروبا، وهي أن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أوامر تشريعية جعل لها ضماناً لتنفيدها في تقوى المسلم وتنفيذ الحكومة، ومعاقبة المخالف، وليست مواعظ أو وصايا أخلاقية لا ضامن لها من الضمانات التشريعية، تدعي الدول إلى الاعتراف بها واحترامها فقط(3).
__________________________________
1 ـ المختصر للشافعي 5: 241، الأم 6 ـ 301.
2 ـ مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 2 ـ 157 لقاضي القضاة بالعساكر الرومية عبد الرحمن بن محمّد بن سليمان المعروف بشيخي زاده. طبع بالمطبعة العثمانية باسطنيول سنة 1328 هـ.
3 ـ ندوات علمية في الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف والمجلس الأوروبي في ستراسبورغ ـ 164.