ـ(36)ـ
لهم ضراً ولا نفعاً](1).
فظهرت المصلحة لماذا لم يأمر الله ـ عز وجل ـ موسى ـ عليه السلام ـ بصيام أربعين يوماً من أول الأمر ؟ لأنه لو كان كذلك لم يبق مجال لابتلاء بني إسرائيل وامتحان قلوبهم بالإيمان فهذه القصة ترشدنا إلى حقائق تالية:
الأولى: أن الله سبحانه وتعالى في بعض الأحيان لا يظهر الملائكة ولا النفوس القدسية على علمه المكنون وقضائه الحتم في أول وهلة، بل يخبرهم بذلك في مراحل، وهذا يبتني على مصالح العباد: كامتحانهم وابتلائهم، أو عوناً على هدايتهم وغير ذلك.
الثانية: أن أمة موسى ـ عليه السلام ـ ارتدت على دين الحق، واتخذت عبادة العمل وأشركت لما تأخر موسى ـ عليه السلام ـ عنهم لعشرة أيام فقط، مع أنّه كان حياً وكانوا ينتظرون رجوعه إليهم، فظهر: أن ضلال الأمة وطغيانها وغوايتها في غيبة النبي أو بعد موته في أقصر مدة ليس بشيء غريب يتعجب منه.
الثالثة: ويظهر من آيات سورة "طه" : أن موسى ـ عليه السلام ـ لم يكن أخبرهم على سبيل القطع والحتم أنّه سيرجع بعد ثلاثين يوماً البتة، فإنه يقول: [يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدي](2).
لأنه لو كان واعدهم أنّه سيأتي بالتوراة في اليوم الثلاثين قطعاً وحتماً لكان لهم أن يجيبوا: نعم، لقد طال علينا العهد وأنت أخلفت موعدنا، فأخلفنا موعدك، فيعلم من هذا، أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام حينما يخبرون الناس عن مثل هذه الأمور غير المحتومة فلا يخبرونهم على سبيل البت والقطع، بل على سبيل الاحتمال القوي، كما دلت الآية المتقدمة أن موسى ـ عليه السلام ـ كان قد واعد قومه أنّه يرجع إليهم بعد شهر واحد، ولكن لا على سبيل القطع وكذلك أفاد الشيخ الطوسي رحمه الله كما نقلوا عنه: (أن الحجج عليهم السلام لم يخبروا قط
__________________________________
1 ـ طه: 83 ـ 89: وانظر أيضاً الأعراف: 148 ـ 152.
2 ـ طه: 86.