ـ(35)ـ
إلى الطور، فأمره الله سبحانه بصيام عشرة أيام أخر، وأن يجيء في اليوم الأربعين بدون استياك ويذكر القرآن الكريم هذه المواعدة بهذه الألفاظ: [وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة](1).
فالآية تقول صريحاً: إنّ ميقات ربه كان أربعين ليلة، ومع ذلك أخبر الله سبحانه موسى بذلك الميقات الإلهي في مرحلتين:
الأولى: أمره بصيام ثلاثين يوماً ثم أتمه بعشر، ولكن الميقات في العلم الإلهي كان أربعين ليلة من أول الأمر ولذا نرى القرآن يستعمل أسلوبين لذكر الميقات. فإذا نظر إلى موسى ـ عليه السلام ـ وعلمه فيخبره في مرحلتين: "ثلاثين ليلة، أتممناها بعشر" وإذا نظر إلى علم الله ـ عز وجل ـ فيقول "أربعين ليلة" وكذلك يقول في سورة البقرة: [وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العمل من بعده وأنتم ظالمون](2)
وهذه الآية تشير إلى المصلحة التي كانت ملحوظة في إخبار موسى ـ عليه السلام ـ في مرحلتين كما يقول أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: "إنّ موسى ـ عليه السلام ـ لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوماً، فلما زاد الله إلى الثلاثين عشراً قال قومه: قد أخلفنا موسى، فصنعوا ما صنعوا(3).
والله ـ سبحانه وتعالى ـ يذكر هذه الواقعة في سورة "طه" هكذا: [وما أعجلك عن قومك يا موسى _ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى _ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري _ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي _ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري _ فاخرج لهم عجلاً جيداً لـه حوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي _ أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك
__________________________________
1 ـ الأعراف 142.
2 ـ البقرة: 51.
3 ـ بحار الأنوار 4: 132، وتفسير الميزان 8: 266 نقلاً عن تفسير العياشي.