ـ(34)ـ
نفسه يفعل في الرؤيا.
وهذا يستلزم أنّه لم يكن رأى في الرؤيا نتيجة عمله والمرحلة النهائية لاستسلامه وانقياده بسبب إغماض عينيه في تلك المرحلة من الرؤيا أيضاً. ولعله للسبب المذكور قال لولده: "إني أذبحك" ولم يقل إني ذبحتك فحينما ناداه الله سبحانه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فإنما كان هذا على سبيل الحقيقة لا المجاز، وأن إبراهيم الخليل قد أنجز حقاً كلّ ما كان رآه وعمله في الرؤيا.
الثانية: وبهذا يتضح لماذا أمره الله ـ سبحانه وتعالى ـ بواسطة الرؤيا ولم يرسل إليه ملكاً، أو لم يلهمه بذبح ولده لأن الوحي الكلامي كان مستلزماً أن يقال لإبراهيم: اذبح ولدك إسماعيل، ولكن المطلوب لم يكن ذبحه بل تهيؤ إبراهيم الخليل للذبح فقط، كان الأمر بذلك للامتحان والابتلاء، فلما استسلما لحكم الله فقد ظهرت مدارج انقيادهما وتسليمهما لأمر الله [كذلك نجزي المحسنين _ إنّ هذا لهو البلاء المبين](1).
الثالثة: أن الله ـ عز وجل ـ لم يظهر علمه المكنون لإبراهيم ـ عليه السلام ـ ، ولم يشاهد إبراهيم المرحلة النهائية لسعيه في ذبح إسماعيل؛ لأنه كان منافياً لمصلحة الاختبار والابتلاء، ومضاداً لما كان المقصود من هذا الأمر، أي: ازدياد مراتب إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
ففي هذه الواقعة ستر الله المرحلة النهائية للعمل المطلوب، وبهذا وقع البداء في علم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وظهرت النتيجة بخلاف ما كانا يتوقعانها.

(2) إعطاء التوراة لموسى ـ عليه السلام ـ
والقصة الثانية تتعلق بموسى ـ عليه السلام ـ حينما دعاه ربه إلى الطور لإعطاء التوراة، فأمر الله أن يصوم ثلاثين يوماً، ثم يجيء إلى الطور. واستاك موسى ـ عليه السلام ـ في اليوم الثلاثين قبل ذهابه
__________________________________
1 ـ الصافات 103.