ـ(33)ـ
وإن أحببنا الاطلاع على المصداق الأكمل والمظهر الأتم للبداء فينبغي النظر إلى بعض أمثلته في كتاب الله العزيز:
(1) ذبح إسماعيل ـ عليه السلام ـ
فنذكر أوّلاً قصة ذبح إسماعيل ـ عليه السلام ـ ، فالقرآن يقول: [فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إنّ شاء الله من الصابرين_ فلما أسلما وتله للجبين_ وناديناه أن يا إبراهيم_ قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين _ إنّ هذا لهو البلاء المبين_ وفديناه بذبح عظيم](1).
فالآيات والروايات تدل على أن إبراهيم الخليل رأى في المنام مرة بعد أخرى أنّه يذبح ولده إسماعيل ـ عليه السلام ـ لمرضات الله سبحانه، ولان رؤيا النبي تكون وحياً من الله، فشمر عن ساعديه لتنفيذ أمر مولاه، واستشار إسماعيل فأجابه بثبات القلب:[يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إنّ شاء الله من الصابرين _ فلما أسلما وتله للجبين] وانحنى إليه بالسكين، قلب جبرائيل السكين وجاء بكبش ووضعه مكان إسماعيل أما إبراهيم فهو لا يعلم شيئاً من هذه التحولات؛ لأنه كان قد شد عصابة على عينيه، فذبح بقوة العزم وصلابة الإيمان واطمئنان القلب ما كان يحسب أنّه ابنه الوحيد، ولكنه لما حل العصابة رأى عند قدميه كبشاً مذبوحاً، ووجد إسماعيل قائماً عنده صحيحاً سالماً بدون أي جراحة، وحينئذ نودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين وهذه الواقعة تشير إلى حقائق:
الأولى: أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ كان يرى في المنام أنّه يذبح إسماعيل، وتبعاً رأى كيفية ذبحه أيضاً، فنحن نستيقن أنّه أتبع تلك الكيفية حينما أراد ذبح ولده؛ لأن تلك الرؤيا كان وحياً من ربه، ومعناه: أنّه حينما شد العصابة على عينيه فإنما فعل ذلك إتباعاً لما رأى
__________________________________
1 ـ الصافات: 102 ـ 107.