ـ(29)ـ
من ذلك، واستثنى عليه فيما سواه"(1).
فهذه الرواية تدل على أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان عالماً بكل ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وكان يعلم المحتوم منها وغير المحتوم، الذي عبر عنه الإمام ـ عليه السلام ـ "واستثنى عليه فيما سواه". وروايات كثيرة تدل على أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ أيضاً كانوا عالمين بها بتعليم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ونعتقد أن النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ اخبروا بالمحتوم على سبيل القطع والبت، وأخبروا بما سواها على سبيل الاحتمال.
ولذا قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : "لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: [ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب](2)"(3). ومثله مروي عن الإمام زين العابدين ـ عليه السلام ـ (4).
هـ ما هو المراد من "بدا لله"؟:
لقد ذكرنا آنفاً أن البداء معناه: الظهور، ولذا قال سبحانه وتعالى: [ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون] (5). ولكن الروايات لا تقول "بدا من الله" بل جلها تقول: "بدا لله"، فما هو المراد من هذا التعبير؟.
لقد فسره علماؤنا الأبرار ـ رضوان الله عليهم ـ بعبارات شتى، وأحسنها وأكملها ما قاله معلم الأمة، شيخنا المفيد قدس سره في كتابه تصحيح الاعتقاد وهو كما يلي:
(قول الإمامية بالبداء طريقه السمع دون العقل، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ، والأصل في البداء هو: الظهور، قال الله تعالى: [وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون] يعني به: ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم. قال تعالى: [وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم](6) يعني: ظهر لهم
__________________________________
1 ـ الكافي كتاب التوحيد، باب البداء.
2 ـ الرعد: 39.
3 ـ بحار الأنوار (الطبعة الجديدة) 4: 97.
4 ـ نفس المصدر: 118.
5 ـالزمر: 47.
6 ـ الزمر: 48.