ـ(28)ـ
وشيخنا المفيد قدس سره أيضاً أشار إليه بلفظ "الكتابة" حينما قال: (وقد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغير الحال فيه) (1).
وعلى هذا فنقول على سبيل المثال: إنّ الله تعالى لو أخبر ملك الموت أن عمر زيد خمسون سنة، أي: مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا فإذا وصل الرحم فيزاد في عمره عشر سنوات، وإن قطعها فينقص من عمره عشر سنوات، والله سبحانه يعلم من قبل خلق الخلق أن زيداً سيصل رحمه ويعيش إلى ستين سنة، ولكن ملك الموت لا يعلم؛ لأن علمه مشروط، فعلم الله هو اللوح المحفوظ الذي لا تغير فيه ولا تبدل، وعلم ملك الموت هو لوح المحو والإثبات:
[ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب].
[قضى أجلاً وأجل مسمى عنده](2).
فحينما بلغ زيد أربعين سنة وأخبر الله سبحانه ملك الموت أنّه سيعمر إلى ستين لأنه يصل رحمه، فيبدو للملك من قضاء الله المحتوم مالم يكن يعلمه ولم يكن يترقبه، وهذا هو البداء وهذا البداء والظهور يكون في علم الملك، لا في علم الله تعالى.
ومقتضى هذا البيان: أن الله سبحانه ـ في بعض الأحيان ـ يخبر الملائكة والحجج ـ عليهم السلام ـ بأمر محتوم، أحيانا يعطون علما غير محتوم، والذي يكون معلقا على شرطه، فهم في كلّ آن متوجهون إلى الله تعالى للزيادة في علومهم ومعارفهم، ولا يحسبون لآن واحد أنهم مستغنون عن هداية الله سبحانه وإرشاده، فالله تعالى أمر حبيبه خاتم النبيين ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بهذا الدعاء: [ وقل رب زدني علما](3). وأعطاه العلم بكل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
كما ويستدل عليه بما روي عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ أنّه قال: "إنّ الله ـ عز وجل ـ اخبر محمدا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بما كان منذ كانت الدنيا، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا، وأخبره بالمحتوم
__________________________________
1 ـ تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد قدس سره.
2 ـ الأنعام: 2.
3 ـ طه: 114.