ـ(26)ـ
كان الله نسي شيئاً في الشريعة الأولى، أو أخطأ فيها فاحتاج إلى إكمالها أو إصلاحها بإرسال شريعة جديدة؟).
والحق أن الله سبحانه لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ ولا يندم ولكن الشريعة الأولى كانت متناسبة وحال الأمة في ذلك الوقت الخاص والبيئة الخاصة، وحينما تغيرت الأوضاع فانتهت فائدتها، وطالب النوع الإنساني بلسان الحال بشريعة أخرى كاملة لهداية الناس إلى الملأ الأعلى.
فعلى سبيل المثال: أن الخياط يخيط لباساً صغيراً لطفل صغير عمره سنتان، وهو يعلم حتّى قبل الخياطة أن الطفل سيحتاج بعد مدة قصيرة إلى لباس آخر يناسب جسمه آنذاك؛لأنه سينمو ويكبر حتّى لا يمكن لـه الاستفادة من هذا اللباس، و أيضاً ليمكن لـه الاستفادة منه حتّى بعد بلوغه عشرين سنة من عمره ؟ لأننا نعلم أن مقياس اللباس لا يزال يتغير كلّ سنة حتّى يبلغ الطفل أشده، وبعد ذلك يستمر بمقياس خاص يناسب جسمه إلى باقي عمره.
وهكذا يكون النسخ في الأمور التشريعية وكذلك يقضي الله ويقدر بالتغيير والتبدل في الأمور التكوينية، فيحيي زيداً ثم يميته، ويفقر خالداً ثم يغنيه، وهذا القضاء يكون محتوماً في بعض الأوقات، وفي آونة أخرى يكون معلقا على شرائط، وعلى أي حال فهذا التغير في حكم الله تعالى في هذه الموارد يسمى بالبداء، والله سبحانه وتعالى عالم بهذه التغيرات قبل خلق زيد وخالد، بل من قبل خلق الخلق كافة، كما يقول شيخنا المفيد قدس سره: (ليس البداء من الله تعالى تعقب رأي،ولا استدراك فائت، ولا انتقال من تدبير إلى تدبير لحدوث علم بما لم يكن في المعلوم) (1).
فمجمل القول هاهنا: أن البداء في التكوين كالنسخ في التشريع، وكلاهما يدلان على علم الله السابق، وقدرته البالغة، وحكمته الشاملة، وإرادته النافذة، واختياره
__________________________________
1 ـ المسائل العكبرية للشيخ المفيد قدس سره: 224.