ـ(24)ـ
بإذنه ومشيئته، فجميع تغيرات العالم في التكوين والتشريع تحدث بإرادته وقدرته ومشيئته.
ونحن نعلم أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ قد أجرى في العالم سلسلة العلل والمعلولات والأسباب والمسببات، وتلك العلل والأسباب قد تكون مادية، وأخرى غير مادية مثل: الدعاء والصدقة وأمثالها من أعمال الخير كما ذكر آنفا، فإذا اكتملت الشرائط وظهرت العلة التامة فهنالك يوجد المعلول بإذن الله تعالى، وإلاّ فيؤخر إلى وقتٍ آخر معلومٍ.
ولكنا لا نقول: إنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان لا يعلم متى يوجد ذلك الشيء، ولا أن كلّ ذلك كان موقوفاً على أمور كانت مجهولة لله حاشاه عن ذلك، بل الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان يعلم ـ حتّى من قبل خلق العالم ـ هل تكتمل الشرائط وهل تجتمع العلة التامة في الوقت الفلاني أم لا ؟. فهذا التغير أو التقدم والتأخر لا يحدث في علم الله سبحانه بل في علم الملائكة الموكلين بتدبير العالم، وفي بعض الأحيان في علم الحجج ـ عليهم السلام ـ الّذين كان الله تعالى أخبرهم بتلك الأمور، سواء كان الخبر مقروناً بالشروط أم لا ؟
ونذكر هنا ما بينه شيخنا المفيد (رضي الله عنه) حيث يقول: (وقد يكون الشيء مكتوباً بشرط، فيتغير الحال فيه، قال الله تعالى: [ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده](1) فتبين أن الآجال على ضربين: ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان. ألا ترى إلى قوله تعالى [وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب](2).، وقوله تعالى: [ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض] ؟(3).
فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع بالفسوق. وقال تعالى فيما أخبربه عن نوح ـ عليه السلام ـ في خطابه لقومه: [استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً] إلى آخر الآيات (4)، فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم الاستغفار، فلما لم يفعلوه قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب.
__________________________________
1 ـ الأنعام: 2.
2 ـ فاطر: 11.
3 ـ الأعراف: 96.
4 ـ نوح: 10 ـ 11.